2014/08/04

الروائي اليوناني فاسيليس ألكساكس‮:‬ ‮ ‬أكتب كي لا أموت... حوار‮: ‬فريدريك روسيل... ترجمة المبدع لطفي السيد منصور




الروائي اليوناني فاسيليس ألكساكس‮:‬ ‮ ‬أكتب كي لا أموت...
حوار‮: ‬فريدريك روسيل...
ترجمة المبدع لطفي السيد منصور



في رواية‮ "‬الطفل اليوناني‮"‬،‮ ‬يدافع الكاتب اليوناني فاسيليس ألكساكس عن فكرة أدبية معينة،‮ ‬دون إدعاء،‮ ‬ودون أي تأثيرات بلاغية‮. ‬ينحاز ألكساكس إلي تجميل اليومي بالخيالي،‮ ‬وتغرس شخصياته وصوره في الأذهان وتملأ القلوب‮. ‬إنه روائي لا‮ ‬يتغاضي عن التلاعب بالنفوس التي أبدعها آخرون،‮ ‬فرواية‮ "‬الطفل اليوناني‮" ‬ترصع،‮ ‬علي نحو فكاهي،‮ ‬أسطورة حديقة لوكسمبورج‮ ‬بشبح أعرج،‮ ‬الغليون في جيبه،‮ ‬وليس بعيدا عن ريشليو،‮ ‬وبودلير وآخريين،‮ ‬وعلي مقربة من الخلود‮.‬
كيف ولدت فكرة‮ "‬الطفل اليوناني"؟
‮ ‬من حديقة لوكسمبورج أم شخصية من جان فالجان؟
‮ ‬في نهاية كل كتاب من كتبي تنفتح فترة من القلق‮. ‬أحتاج‮ ‬أن أجد فكرة الكتاب التالي،‮ ‬وهذه المرحلة قد تمتد ثلاثة،‮ ‬أربعة،‮ ‬أو خمسة شهور‮. ‬كما لو كنت عاطلًا‮. ‬بالنسبة لبعض الكتب،‮ ‬الفكرة تأتي بغتة وعلي نحو‮ ‬غامض‮. ‬فعلي سبيل المثال،‮ ‬استيقظت ذات صباح بفكرة قصة رجل يأتي إلي باريس ويتعلم إحدي اللغات الإفريقية بلا سبب‮. ‬لقد كنت مذهولا،‮ ‬فعلاقتي الوحيدة بإفريقيا طرازان‮. ‬الجملة الأولي التي لاحت في ذهني بهذه اللغة هي‮:" ‬مات أبي‮"‬،‮ ‬مات قبل بضعة شهور‮. ‬إنها طريقة ملتوية للحديث عنه وأقل إيلاماً‮ ‬في لغة لا يعرفها‮ ‬لا أنا ولا هو‮.‬
وفكرة هذا الكتاب؟
‮- ‬تمنيت منذ فترة‮ ‬طويلة أن أكتب عن أبطال طفولتي،‮ ‬دون أن أعرف كيف‮. ‬فرحيل أبوي وأخي والحادثة الخطيرة التي ألمت بي في أكس أون بروفنس،‮ ‬ربما جعلت العودة لهؤلاء الأبطال ضرورية،‮ ‬فهم يمثلون عائلتي الثانية‮. ‬فعندما يخشي الإنسان علي حياته،‮ ‬علي الأرجح يود استدعاء طفولته‮. ‬ولقد ساهمت فيها حديقة لوكسمبورج بطبيعة الحال‮. ‬لقد أودعتني الصدفة بفندق مجاور لها‮. ‬بينما أسير في الحديقة علي عكازيّ،‮ ‬فجأة تذكرت جان فالجان‮. ‬الكتاب كان موجودا‮. ‬وعلمت علي الخصوص أن ريشيليو كان يسكن هناك،‮ ‬بينما كان أتوس يعيش في شارع فيرو،‮ ‬قبالته‮. ‬ثم مسرح عرائس الماريونيت بكل شخصياته‮. ‬لقد شعرت بالترحاب،‮ ‬منحني ذلك حرية هائلة كتخيل الهجوم علي مكتبة باريسية من بعض الهنود الساخطين من الطريقة التي يتحدث بها الكتاب عنهم‮.‬
‮ ‬هل تملكك الخوف فعلا؟‮ ‬
‮- ‬ينتابني خوف دائم من الموت قبل إنهاء أي كتاب من‮ ‬كتبي‮. ‬في الحقيقة،‮ ‬أكتب كي لا أموت‮. ‬أعتقد أن الموت يحب‮ ‬الأدب إلي حد ما،‮ ‬لذلك لن يقاطعني أثناء الكتابة‮. ‬إذن لا يجب أن أتوقف،‮ ‬لذلك أتعجل في أن أجد الفكرة التالية لأني بين الكتابين معرض لكل الأخطار‮.‬
‮ ‬لديك بالفعل فكرة؟
‮-‬أفكر في لحظة صمت الملعب بسبب وفاة لاعب كرة قدم‮ ‬نتيجة أزمة قلبية في لندن‮. ‬أهذه فكرة رائعة؟ لست متأكدا‮. ‬أنا مقتنع أن في كل كتاب جملة تعلن عن الكتاب القادم‮. ‬لكن ما هي‮.‬
من هنا حيث تنطلق؟
‮ ‬‮ - ‬بكل تأكيد‮. ‬في رواية‮ "‬الكلمة الأولي‮"(‬2010‮) ‬هناك‮ ‬نظرية توضح لماذا شرع البشر في الكلام،‮ ‬أقول لأنهم كانوا في حاجة إلي‮ ‬الكذب‮. ‬الراوي عندي كاذب،‮ ‬ويقول ذلك من البداية‮ .‬
‮ ‬كاذب وليس راوي سيرة ذاتية؟
‮- ‬علي الإطلاق‮.‬
‮ ‬أليس لديك ولدان؟
‮ ‬‮-‬كل الناس لديهم ولدان‮. ‬الغريب أن بعض الناس الذين لا يعرفون مطلقا حياتي مقتنعون أنها سيرة ذاتية‮. ‬ماذا يغير هذا‮. ‬المهم الخيال،‮ ‬وإلا لن يكون هناك أدب‮.‬
ألست لطيفاً‮ ‬مع أحبائك،‮ ‬كما مع عمتك؟
‮- ‬هذه العمة ليست موجودة،‮ ‬فيما قال بعض إنني لم أجر‮ ‬عملية قط،‮ ‬وقال البعض الآخر إنه اعتقد أنني قد بترت ساقي‮.‬
‮ ‬وهل أجريت عملية أم لا؟
‮- ‬هل يجب أن أجيب علي هذا السؤال؟
‮ ‬إذا كنت تريد؟
‮- ‬أستطيع أن أطلعك علي الجرح‮.‬
أتبحر بين الواقع المزيف والخيال الحقيقي؟
‮- ‬الخيال يحتل المكان كاملا‮. ‬حتي عندما أستدعي أحداثا‮ ‬معاشة،‮ ‬الخيال ما يجعلها مثيرة للاهتمام‮. ‬إنه الخيال الذي جعل هذا السيد ذا العكازين يستفيد من سكونه حتي يري الأشياء جيدا‮. ‬السكون أيضا مغامرة‮. ‬الشوارع التي أختلسها منذ سنوات‮ ‬رأيتها للمرة الأولي عندما توقفت عن المشي بشكل عادي‮. ‬التفاصيل الصغيرة أصبحت قصصا‮.‬
‮ ‬أتجري دراسة استقصائية؟
‮- ‬كانت كتبي الأولي أكثر رتابة،‮ ‬شيئا فشيئا اكتشفت أنه‮ ‬يلزمني فكرتان،‮ ‬وليس فكرة واحدة‮. ‬إنها طريقتي في رؤية الأشياء منذ رواية‮ "‬اللغة الأم‮"‬،‮ ‬فمع الاستقصاء حول حرف الأبسلون الديلفي هناك موضوع موت الأم‮. ‬ومن خلال تعانق هذين الموضوعين تولد الرواية‮. ‬يجب أن تتعاون الفكرتان لتتقدما‮. ‬أنا‮ ‬غير قادر علي أن أقوم بالتريكو بإبرة واحدة،‮ ‬يلزمني منها اثنتان‮. ‬وأحب أن يكون البحث حول موضوع مثيرا لاهتمامي‮.‬
‮ ‬هنا المقصود حديقة لوكسمبورج؟
‮- ‬رأيت كل الناس‮. ‬رئيس جهاز الأمن،‮ ‬رئيس البُسْتانيين،‮ ‬كبير المهندسين المعماريين،‮ ‬صديقا متخصصا في السراديب،‮ ‬أمين مكتبة سابقا لمجلس الأعيان،‮ ‬وحوالي عشرين شخصا مختلفين‮. ‬وبالنسبة لعرائس الماريونيت،‮ ‬ذهبت أيضاً‮ ‬إلي ليون حيث قابلت سليل أول لاعبي الماريونيت لوران مورجيه،‮ ‬وزرت المتحف‮. ‬كما طلبت بعض الأبحاث حول الأفلام‮: ‬فنزهة كوزيت وجان فالجان صورت في لوكسمبورج‮. ‬علمت أن والد بودلير كان أمين مكتبة هنا وأن الشاعر كان يلاحق صغار العجائز حيث حياتهم كانت تثير اهتمامه‮. ‬كما علمت أن لينين وقع في‮ ‬غرام إحدي بائعات الكراسي‮. ‬عثرت علي المراجع الأدبية ولا سيما كلمات سارتر،‮ ‬الكتاب الذي أثر في عظيم الأثر‮.‬
‮ ‬ألأنه مثلك،‮ ‬يحكي طفولته عبر الكتب؟
‮- ‬هناك صلة قرابة،‮ ‬إنه واحد من أولئك المثقفين القادرين‮ ‬علي إنتاج اثنتين أو ثلاث روايات،‮ ‬لكنهم ليسوا روائيين ولم يعودوا أطفالاً‮.‬
‮ ‬هذه العاطفة تجاه أبطال‮ ‬الماضي هؤلاء تنبع من أمك التي كانت تقرأ عليك بعض الكلاسيكيات الفرنسية؟
‮- ‬لها دين عندي مرتبط بالخيال‮. ‬علمتني أن أتخيل بجعلي‮ ‬ألاحظ بقع الرطوبة الموجودة علي جدران منزلنا في سانتورن‮. ‬كانت تطلب مني أن ألاحظ‮ ‬إحدي البقع وأحكي عنها قصة‮. ‬لم تكن تقرأ فقط،‮ ‬بل‮ ‬كانت تدفعني لأتحدث‮. ‬أقرأ الكثير من الأعمال الكلاسيكية لأنها تغير أفكاري،‮ ‬تمد الشخص الذي يكتب‮ ‬بنصائح فائقة الروعة،‮ ‬تستدعيهم للنظام‮.‬
‮ ‬وكنت ناقداً‮ ‬أدبياً‮ ‬لمدة خمسة عشر عاما؟
‮- ‬كانت المرة الأولي عندما وافقت الصارمة جاكلين بياتيه‮ ‬علي أن تعطيني ميعادا‮. ‬كان لدي الجرأة أن أقول إنني لا أحب الرواية الجديدة التي ساهمت في انطلاقها،‮ ‬ولابد أنها تساءلت عما ينوي أن يفعله هذا اليوناني في النقد الأدبي‮. ‬في النهاية أعطتني مقالا ثقيلا،‮ ‬جبال الليل لـ روجيه فريسون روش،‮ ‬وهي تقول لي‮:" ‬أعد عشرين سطرا ولاحظ أنه صديق المدير‮( ‬بو ڤ-ميري،‮)" ‬أما انطلاقتي الحقيقية الأولي عندما ذهبت لأجري مقابلة مع كلود جاليمار حول حرب الجيوب‮. ‬لكن في الحقيقة،‮ ‬دائما الأدب ما يثير اهتمامي‮. ‬وفي لحظة حدثت نفسي‮: ‬عليّ‮ ‬أن أختار،‮ ‬سوف أتوقف عن الصحافة‮. ‬رواية‮ "‬تحكم الهوية‮" ‬كانت قد نشرت بالضبط بعد تخبط‮.‬
من أين ينبع وفاؤك لـ جان مارك روبير؟
‮- ‬دائما جان مارك موجود‮. ‬إنه همزة الوصل بين أول وآخر‮ ‬كتاب‮. ‬عملنا دائما معا،‮ ‬إنه ليس مجرد ناشر أول رواية لي‮ "‬السندوتش‮" ‬لكنها أيضا كتابه الأول كناشر‮. ‬لم نترك بعض منذ ذلك الحين،‮ ‬من دار چوليار إلي‮ ‬دارسوي إلي فايار ثم‮ ‬عند ستوك‮. ‬كنا قد تعارفنا عام‮ ‬1974‮ . ‬لابد أنه كان في عامه التاسع عشر وأنا في عامي الثامن والعشرين‮. ‬دار جوليار‮ ‬أعطتني ميعادا في مقهي دو كلوني،‮ ‬في جانب من جادة‮ ‬سان جيرمان‮. ‬عندما رأيت جان مارك قادما،‮ ‬قلت أن الناشر سخر مني وأسلمني لابنه‮. ‬لكن لا‮.‬
‮ ‬كيف تري الوضع اليوناني؟
‮- ‬في حياتي لم أقرأ أبدا مثل هذه المقالات التي لا أفهم‮ ‬منها شيئا‮. ‬فالأزمة اليونانية تحتاج لفلاسفة أكثر ما تحتاج لرجال اقتصاد‮. ‬سيكون أمرا رائعا لو أن اليونان أخذت مبادرة‮ ‬لعقد جمعية عامة،‮ ‬وأن تدعو فلاسفة من كل أوروبا‮. ‬أريد من الناس التي تتحدث عن الأزمة عندما تذهب إلي اليونان أن يكون لديها رغبة في الاغتسال،‮ ‬وأن يأخذوا وقتا لإيقاف حساباتهم‮. ‬لدي انطباع أن صيغة الحياة المقترحة من أوروبا،‮ ‬حتي عندما تكون أمورنا المالية سليمة،‮ ‬ليست مبهجة‮. ‬المشكلة الحقيقية هنا‮.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق