2014/08/04

الروائي اليوناني فاسيليس ألكساكس‮:‬ ‮ ‬أكتب كي لا أموت... حوار‮: ‬فريدريك روسيل... ترجمة المبدع لطفي السيد منصور




الروائي اليوناني فاسيليس ألكساكس‮:‬ ‮ ‬أكتب كي لا أموت...
حوار‮: ‬فريدريك روسيل...
ترجمة المبدع لطفي السيد منصور



في رواية‮ "‬الطفل اليوناني‮"‬،‮ ‬يدافع الكاتب اليوناني فاسيليس ألكساكس عن فكرة أدبية معينة،‮ ‬دون إدعاء،‮ ‬ودون أي تأثيرات بلاغية‮. ‬ينحاز ألكساكس إلي تجميل اليومي بالخيالي،‮ ‬وتغرس شخصياته وصوره في الأذهان وتملأ القلوب‮. ‬إنه روائي لا‮ ‬يتغاضي عن التلاعب بالنفوس التي أبدعها آخرون،‮ ‬فرواية‮ "‬الطفل اليوناني‮" ‬ترصع،‮ ‬علي نحو فكاهي،‮ ‬أسطورة حديقة لوكسمبورج‮ ‬بشبح أعرج،‮ ‬الغليون في جيبه،‮ ‬وليس بعيدا عن ريشليو،‮ ‬وبودلير وآخريين،‮ ‬وعلي مقربة من الخلود‮.‬
كيف ولدت فكرة‮ "‬الطفل اليوناني"؟
‮ ‬من حديقة لوكسمبورج أم شخصية من جان فالجان؟
‮ ‬في نهاية كل كتاب من كتبي تنفتح فترة من القلق‮. ‬أحتاج‮ ‬أن أجد فكرة الكتاب التالي،‮ ‬وهذه المرحلة قد تمتد ثلاثة،‮ ‬أربعة،‮ ‬أو خمسة شهور‮. ‬كما لو كنت عاطلًا‮. ‬بالنسبة لبعض الكتب،‮ ‬الفكرة تأتي بغتة وعلي نحو‮ ‬غامض‮. ‬فعلي سبيل المثال،‮ ‬استيقظت ذات صباح بفكرة قصة رجل يأتي إلي باريس ويتعلم إحدي اللغات الإفريقية بلا سبب‮. ‬لقد كنت مذهولا،‮ ‬فعلاقتي الوحيدة بإفريقيا طرازان‮. ‬الجملة الأولي التي لاحت في ذهني بهذه اللغة هي‮:" ‬مات أبي‮"‬،‮ ‬مات قبل بضعة شهور‮. ‬إنها طريقة ملتوية للحديث عنه وأقل إيلاماً‮ ‬في لغة لا يعرفها‮ ‬لا أنا ولا هو‮.‬
وفكرة هذا الكتاب؟
‮- ‬تمنيت منذ فترة‮ ‬طويلة أن أكتب عن أبطال طفولتي،‮ ‬دون أن أعرف كيف‮. ‬فرحيل أبوي وأخي والحادثة الخطيرة التي ألمت بي في أكس أون بروفنس،‮ ‬ربما جعلت العودة لهؤلاء الأبطال ضرورية،‮ ‬فهم يمثلون عائلتي الثانية‮. ‬فعندما يخشي الإنسان علي حياته،‮ ‬علي الأرجح يود استدعاء طفولته‮. ‬ولقد ساهمت فيها حديقة لوكسمبورج بطبيعة الحال‮. ‬لقد أودعتني الصدفة بفندق مجاور لها‮. ‬بينما أسير في الحديقة علي عكازيّ،‮ ‬فجأة تذكرت جان فالجان‮. ‬الكتاب كان موجودا‮. ‬وعلمت علي الخصوص أن ريشيليو كان يسكن هناك،‮ ‬بينما كان أتوس يعيش في شارع فيرو،‮ ‬قبالته‮. ‬ثم مسرح عرائس الماريونيت بكل شخصياته‮. ‬لقد شعرت بالترحاب،‮ ‬منحني ذلك حرية هائلة كتخيل الهجوم علي مكتبة باريسية من بعض الهنود الساخطين من الطريقة التي يتحدث بها الكتاب عنهم‮.‬
‮ ‬هل تملكك الخوف فعلا؟‮ ‬
‮- ‬ينتابني خوف دائم من الموت قبل إنهاء أي كتاب من‮ ‬كتبي‮. ‬في الحقيقة،‮ ‬أكتب كي لا أموت‮. ‬أعتقد أن الموت يحب‮ ‬الأدب إلي حد ما،‮ ‬لذلك لن يقاطعني أثناء الكتابة‮. ‬إذن لا يجب أن أتوقف،‮ ‬لذلك أتعجل في أن أجد الفكرة التالية لأني بين الكتابين معرض لكل الأخطار‮.‬
‮ ‬لديك بالفعل فكرة؟
‮-‬أفكر في لحظة صمت الملعب بسبب وفاة لاعب كرة قدم‮ ‬نتيجة أزمة قلبية في لندن‮. ‬أهذه فكرة رائعة؟ لست متأكدا‮. ‬أنا مقتنع أن في كل كتاب جملة تعلن عن الكتاب القادم‮. ‬لكن ما هي‮.‬
من هنا حيث تنطلق؟
‮ ‬‮ - ‬بكل تأكيد‮. ‬في رواية‮ "‬الكلمة الأولي‮"(‬2010‮) ‬هناك‮ ‬نظرية توضح لماذا شرع البشر في الكلام،‮ ‬أقول لأنهم كانوا في حاجة إلي‮ ‬الكذب‮. ‬الراوي عندي كاذب،‮ ‬ويقول ذلك من البداية‮ .‬
‮ ‬كاذب وليس راوي سيرة ذاتية؟
‮- ‬علي الإطلاق‮.‬
‮ ‬أليس لديك ولدان؟
‮ ‬‮-‬كل الناس لديهم ولدان‮. ‬الغريب أن بعض الناس الذين لا يعرفون مطلقا حياتي مقتنعون أنها سيرة ذاتية‮. ‬ماذا يغير هذا‮. ‬المهم الخيال،‮ ‬وإلا لن يكون هناك أدب‮.‬
ألست لطيفاً‮ ‬مع أحبائك،‮ ‬كما مع عمتك؟
‮- ‬هذه العمة ليست موجودة،‮ ‬فيما قال بعض إنني لم أجر‮ ‬عملية قط،‮ ‬وقال البعض الآخر إنه اعتقد أنني قد بترت ساقي‮.‬
‮ ‬وهل أجريت عملية أم لا؟
‮- ‬هل يجب أن أجيب علي هذا السؤال؟
‮ ‬إذا كنت تريد؟
‮- ‬أستطيع أن أطلعك علي الجرح‮.‬
أتبحر بين الواقع المزيف والخيال الحقيقي؟
‮- ‬الخيال يحتل المكان كاملا‮. ‬حتي عندما أستدعي أحداثا‮ ‬معاشة،‮ ‬الخيال ما يجعلها مثيرة للاهتمام‮. ‬إنه الخيال الذي جعل هذا السيد ذا العكازين يستفيد من سكونه حتي يري الأشياء جيدا‮. ‬السكون أيضا مغامرة‮. ‬الشوارع التي أختلسها منذ سنوات‮ ‬رأيتها للمرة الأولي عندما توقفت عن المشي بشكل عادي‮. ‬التفاصيل الصغيرة أصبحت قصصا‮.‬
‮ ‬أتجري دراسة استقصائية؟
‮- ‬كانت كتبي الأولي أكثر رتابة،‮ ‬شيئا فشيئا اكتشفت أنه‮ ‬يلزمني فكرتان،‮ ‬وليس فكرة واحدة‮. ‬إنها طريقتي في رؤية الأشياء منذ رواية‮ "‬اللغة الأم‮"‬،‮ ‬فمع الاستقصاء حول حرف الأبسلون الديلفي هناك موضوع موت الأم‮. ‬ومن خلال تعانق هذين الموضوعين تولد الرواية‮. ‬يجب أن تتعاون الفكرتان لتتقدما‮. ‬أنا‮ ‬غير قادر علي أن أقوم بالتريكو بإبرة واحدة،‮ ‬يلزمني منها اثنتان‮. ‬وأحب أن يكون البحث حول موضوع مثيرا لاهتمامي‮.‬
‮ ‬هنا المقصود حديقة لوكسمبورج؟
‮- ‬رأيت كل الناس‮. ‬رئيس جهاز الأمن،‮ ‬رئيس البُسْتانيين،‮ ‬كبير المهندسين المعماريين،‮ ‬صديقا متخصصا في السراديب،‮ ‬أمين مكتبة سابقا لمجلس الأعيان،‮ ‬وحوالي عشرين شخصا مختلفين‮. ‬وبالنسبة لعرائس الماريونيت،‮ ‬ذهبت أيضاً‮ ‬إلي ليون حيث قابلت سليل أول لاعبي الماريونيت لوران مورجيه،‮ ‬وزرت المتحف‮. ‬كما طلبت بعض الأبحاث حول الأفلام‮: ‬فنزهة كوزيت وجان فالجان صورت في لوكسمبورج‮. ‬علمت أن والد بودلير كان أمين مكتبة هنا وأن الشاعر كان يلاحق صغار العجائز حيث حياتهم كانت تثير اهتمامه‮. ‬كما علمت أن لينين وقع في‮ ‬غرام إحدي بائعات الكراسي‮. ‬عثرت علي المراجع الأدبية ولا سيما كلمات سارتر،‮ ‬الكتاب الذي أثر في عظيم الأثر‮.‬
‮ ‬ألأنه مثلك،‮ ‬يحكي طفولته عبر الكتب؟
‮- ‬هناك صلة قرابة،‮ ‬إنه واحد من أولئك المثقفين القادرين‮ ‬علي إنتاج اثنتين أو ثلاث روايات،‮ ‬لكنهم ليسوا روائيين ولم يعودوا أطفالاً‮.‬
‮ ‬هذه العاطفة تجاه أبطال‮ ‬الماضي هؤلاء تنبع من أمك التي كانت تقرأ عليك بعض الكلاسيكيات الفرنسية؟
‮- ‬لها دين عندي مرتبط بالخيال‮. ‬علمتني أن أتخيل بجعلي‮ ‬ألاحظ بقع الرطوبة الموجودة علي جدران منزلنا في سانتورن‮. ‬كانت تطلب مني أن ألاحظ‮ ‬إحدي البقع وأحكي عنها قصة‮. ‬لم تكن تقرأ فقط،‮ ‬بل‮ ‬كانت تدفعني لأتحدث‮. ‬أقرأ الكثير من الأعمال الكلاسيكية لأنها تغير أفكاري،‮ ‬تمد الشخص الذي يكتب‮ ‬بنصائح فائقة الروعة،‮ ‬تستدعيهم للنظام‮.‬
‮ ‬وكنت ناقداً‮ ‬أدبياً‮ ‬لمدة خمسة عشر عاما؟
‮- ‬كانت المرة الأولي عندما وافقت الصارمة جاكلين بياتيه‮ ‬علي أن تعطيني ميعادا‮. ‬كان لدي الجرأة أن أقول إنني لا أحب الرواية الجديدة التي ساهمت في انطلاقها،‮ ‬ولابد أنها تساءلت عما ينوي أن يفعله هذا اليوناني في النقد الأدبي‮. ‬في النهاية أعطتني مقالا ثقيلا،‮ ‬جبال الليل لـ روجيه فريسون روش،‮ ‬وهي تقول لي‮:" ‬أعد عشرين سطرا ولاحظ أنه صديق المدير‮( ‬بو ڤ-ميري،‮)" ‬أما انطلاقتي الحقيقية الأولي عندما ذهبت لأجري مقابلة مع كلود جاليمار حول حرب الجيوب‮. ‬لكن في الحقيقة،‮ ‬دائما الأدب ما يثير اهتمامي‮. ‬وفي لحظة حدثت نفسي‮: ‬عليّ‮ ‬أن أختار،‮ ‬سوف أتوقف عن الصحافة‮. ‬رواية‮ "‬تحكم الهوية‮" ‬كانت قد نشرت بالضبط بعد تخبط‮.‬
من أين ينبع وفاؤك لـ جان مارك روبير؟
‮- ‬دائما جان مارك موجود‮. ‬إنه همزة الوصل بين أول وآخر‮ ‬كتاب‮. ‬عملنا دائما معا،‮ ‬إنه ليس مجرد ناشر أول رواية لي‮ "‬السندوتش‮" ‬لكنها أيضا كتابه الأول كناشر‮. ‬لم نترك بعض منذ ذلك الحين،‮ ‬من دار چوليار إلي‮ ‬دارسوي إلي فايار ثم‮ ‬عند ستوك‮. ‬كنا قد تعارفنا عام‮ ‬1974‮ . ‬لابد أنه كان في عامه التاسع عشر وأنا في عامي الثامن والعشرين‮. ‬دار جوليار‮ ‬أعطتني ميعادا في مقهي دو كلوني،‮ ‬في جانب من جادة‮ ‬سان جيرمان‮. ‬عندما رأيت جان مارك قادما،‮ ‬قلت أن الناشر سخر مني وأسلمني لابنه‮. ‬لكن لا‮.‬
‮ ‬كيف تري الوضع اليوناني؟
‮- ‬في حياتي لم أقرأ أبدا مثل هذه المقالات التي لا أفهم‮ ‬منها شيئا‮. ‬فالأزمة اليونانية تحتاج لفلاسفة أكثر ما تحتاج لرجال اقتصاد‮. ‬سيكون أمرا رائعا لو أن اليونان أخذت مبادرة‮ ‬لعقد جمعية عامة،‮ ‬وأن تدعو فلاسفة من كل أوروبا‮. ‬أريد من الناس التي تتحدث عن الأزمة عندما تذهب إلي اليونان أن يكون لديها رغبة في الاغتسال،‮ ‬وأن يأخذوا وقتا لإيقاف حساباتهم‮. ‬لدي انطباع أن صيغة الحياة المقترحة من أوروبا،‮ ‬حتي عندما تكون أمورنا المالية سليمة،‮ ‬ليست مبهجة‮. ‬المشكلة الحقيقية هنا‮.

«ناسى حاجه».. روح فولاذية الذاكرة للشاعر السعيد المصري... بقلم/ ياسر المحمدى




«ناسى حاجه».. روح فولاذية الذاكرة
للشاعر السعيد المصري
بقلم/ ياسر المحمدى


.........



(1)
«ناسى حاجه»، الديوان السادس للسعيد المصرى بعد: «عيَّل وجميزه عجوزه»، و«روح برَّة الزنزانه»، و«وردة فى قرطاس سلوفان»، و«وردة بتنزف ريحة موت»، و«جايز ترتاح.. جايز»، الديوان يمثل إضافة حقيقية فى مسيرة الشاعر الذى يعمل على مشروعه الشعرى فى صمت.
(2)
بعد الانتهاء من قراءة ديوان «ناسى حاجه»، للشاعر السعيد المصري، تكتشف أنك انتقلتَ من عالم التفاصيل الصغيرة، إلى عالم من الأفكار والأسئلة الوجودية الكبيرة، انتقلت من دقائق يومية ومشاهد حياتية مقطعة، إلى عرض بانورامى تم اختيار مادته بعناية لحياة إنسان كاملة، تنتقل من الواقعى والمعاش واليومى والمهمش، إلى عالم موازي/ برزخى تتم فيه استعادة مواقف الحياة وفق قوانين جديدة، ما بين كثافة التفاصيل الواقعية وانعتاق الذات من تفاصيل العالم المادى تتابع المشاهد الشعرية فى مقاطع طويلة وأخرى قصيرة، كل منها يشع دلالات متعددة، سواء على مستوى القراءة المنفردة للمقطع الشعرى أو على مستوى قراءته فى السياق العام للديوان، تتحد هذه المقاطع مكونة حكاية مشاهدها جميعا تتطابق عند نقطة مركز ويأخذ كل مشهد فى اكتساب دلالته الخاصة كلما بعد عن هذا المركز، إن أردنا فهى حالة من التذكر فى لحظة فاصلة ما بين الحياة والموت، أو لحظة استعادة كاملة للحياة فى عالم آخر يصبح عندها «ناسى حاجه»، ليس ديوان شعر بل صحيفة أعمال، نجد المقطع الشعرى الأول فى الديوان: «وانا زى موميا ممدده.. فى تابوت حجرى.. ويّا أربع قدور فخار.. فيهم مصارين مملحه.. وكاسين رخام.. لسه ريحتهم بيره حاميه.. وطبق خشب جميز.. مليان قمح منبّت.. وف إيدى زهرة لوتس دبلانه.. وعلى صدرى.. تميمة «عين حورس».. وقلادة جعران جرانيت.. ولفايف بردى.. متروسه متون لـ«أوزيـر»، ثم يتكرر التناص الذى استخدمه الشاعر فى مطلع المقطع الشعرى الأخير من الديوان «التحيات لك.. يا اللى فى السما والأرض.. جيتك من ساحة العدل.. وانا طاهـر.. طاهـر.. طاهـر»، وهو تناص بتصرف من كتاب الموتى، ما بين هذين المقطعين _اللذين يمثلان الغلاف الحقيقى للديوان _ تأتى مقاطع الديوان الأخرى متناولة فى طياتها قضايا حياتية مختلفة، تتكامل المقاطع فيما بينها مع المقطعين السالف ذكرهما للتأكيد على أن هذه التفاصيل التى نعرفها جيدا لا تخضع هنا لمعرفتنا المادية عن طريق الحواس، وإنما هى معرفة هنا تقوم بها حاسة أخرى باطنية؛ فبعد عرض مقاطع مختلفة من حياته؛ هذه المقاطع التى يبدأ الكثير منها بصيغة استفهام إما للنظر وإما للتذكر أو غير ذلك وكأن آخر يمسك الشاعر من يده ويدور به على مواقف حياته، أو أن هذا الآخر يقوم بعرض شريط تسجيلى لحياة الشاعر، يسبقها مقطع تعقب ملك الموت له فى صورة مخبر، «مين ده.. اللى ماشى ورايا.. كإنه خيالى؟! يكونش مخبر.. مزقوق من نسر ودبورتين؟!»، يمتد المقطع إلى أن يصل فى النهاية، «أعفق فى طوقه.. ـ ماشى ورايا ليه؟!.. مين زقّك علىَّ؟!.. إنطق لا اخلّص عليك.. يجاوبنى بكل هدوء.. اتوضا وصلى.. وعشان ضيق الوقت.. شقّر على كل صحابك.. فى صور الألبوم.. ودّع كل قرايبك!»
أما عن المقاطع ذات صيغ الاستفهام، منها: «مش دا العكاز.. اللى بيأنجش.. صوابع جدك خمس مرات.. لاجل يبوس بشفايف روحه.. حصيرة الجامع»، «مش دا صباع الطباشير.. اللى بيرفَّس فى جِناب السبوره.. ويخبّط.. على صورة المماليك.. ورفاعه ومحمد عبده.. ع الفاعل.. والمفعول.. والفعل.. وخريطة الوطن العربى.. وإزازة أُكسيد الكبريت»، وكذلك «مش دى العصايه العوجه.. اللى بيطفّش بيها أبوك.. الغِرْبَان والبُوم.. من على كتف التوته المايله.. ويعدى ماسورة الترعه.. حاضنها بباطه»، وفى نهاية هذا المقطع يقول: «دلوقتى بيخرج.. مسنود على عودها الخرزان.. م الدار للغيط.. م الغيط للجامع.. م الجامع... للقبر!»، وهو فى ذلك يشير إلى حياة أبيه الأخروية وفى عالمه الموازى الذى يقف الشاعر على مشارفه فى نوبات من الحضور والغياب، ثم ينتقل الشاعر إلى مقطع طويل، ترى فيه الذات الأخروية نهاية الذات الدنيوية وتقوم بتوزيع الرحمات عليها « بلاستر.. وكيس بينقط بول.. وبقعة دم على ملايه.. وكوباية ينسون.. بتنهنه ع الكوميدنو.. وأمبول سيفوتاكس.. مزرَّق فخد يمين.. وبرتقانايه وسكينه.. ومخده قطيفه.. وشريط لايزكس.. ناقص حبّايه........... «وعبد الباسط».. بيرتل سورة «يوسف».. وأنت بتفرَّق روحك.. رحمه ونور.. على روحك!»، كما يزاوج الشاعر فى مقاطع أخرى ما بين لحظات غيبوبته وإفاقته فينتقل ما بين مشهدين واقعيين فى مكانين وزمانين مختلفين فى مقطع واحد؛ وهذان المشهدان يخضعان لتوجيه هذا الآخر الذى يعرض أمام عينيه شريط حياته، يقول: «كل دا شوف.. كنت محوّشه ف روحك.. دلوقتى..بتـ ـفـر فـ طـه.. من كيزان ضلوعك.. حبايه.. حبايه..حبايه»، ثم تتابع المشاهد ومعها يتتابع أخذه لأقراص العلاج ومع كل قرص تخرج الروح الشاعرة ببطء شديد، يقول: «شُفت الحبايه دى.. اللى نازله تحبى ع الرصيف.. خدت بالك.. م الواد اللى خبَّاها بالجزمه.. ووطى أخدها.. ومسح دموعها بكم قميصه.. ودراها فى جيبه.. ومشى يغنى.. كإنه لاقى لقيّه!»، وفى مقطع آخر «شايف الحبايه دى.. اللى نزلت تتدحرج.. وسط أسفلت الشارع.. خدت بالك.. من كاوتش الميكروباص.. اللى فاداها.. وغمز لها بعيون دبلانه.. كإنه بينه وبينها عِشره.. بس الأتوبيس الهلكان.. ما رحمش الغنوه.. اللى كات لسه بتتولد جواهم!»، فمع كل قرص نجد مشهدا جديدا يربط فيه الشاعر ما بين انفلات روحه إلى عالم آخر وما بين مشهد واقعى، يصل السعيد المصرى بعد رحلة شاقة يعبر فيها العالمين، المادى والروحي، فى حالة من الحضور والغياب حتى آخر مقاطع الديوان، يصل متخلصا من كل زينة وبهرج وضع على أرصفة الحياة، يقول: «ما سرقتش.. ما خنقتش روح.. ما خونتش أعمى.. ولا مديت مظلوم.. ولا كَرَشت جعان.. من على عتبة دارى.. ما قطعتش الطريق.. على بنت حلوه.. ما كدبتش على كاهن.. ما شهدتش زور.. جيتك.. من ساحة العدل.. وانا طاهـر.. طاهـر.. طاهـر».
(3)
يعتمد السعيد المصرى على المفارقة لتوليد دلالات جديدة يشحن بها نصوصه الشعرية، تتولد المفارقة عند الشاعر نتيجة انتقاله من الواقعى والمحسوس إلى الغيبى وغير المرئى فى استدراج شديد الذكاء، يصنع السعيد المصرى علاقات تجاور، معتمدا فيها على عين الكاميرا تاركا للقارئ هو الآخر مساحة من التخيل ليكمل من خلالها المشهد، كما تشارك هذه المفارقات على مستوى البناء العام للديوان فى تشكيل الرؤية العامة، أول هذه المفارقات هى العنوان «ناسى حاجه»، ولنا أن نرصد بعض المستويات لفهم دلالة العنوان، فإذا اعتبرنا أن الشاعر تدور مشاهداته فى عالم آخر وأن من يقوم بعرض هذه المشاهد له هو آخر من ساكنى هذا العالم، فإن «ناسى حاجه» تصبح هنا استفهاما استنكاريا من هذا الآخر بعد عرضه لحياة الشاعر ، وكأنه يقول له هذه حياتك كاملة كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا، وعندما نخرج إلى السطح قليلا مستعرضين كمَّ المشاهد الحياتية التى يرصدها الشاعر فى ديوانه ويقدمها لقارئه، يصبح «ناسى حاجه»، وكأنة استفهام من الشاعر لقارئه، وكأنه يقول هل وضعت لك الصورة كاملة أم لا ؟!، كما أن أحد مقاطع الديوان تُعبر عن هذا النسيان بمفهومه المعروف؛ يقول«ناسى حاجه.. وماشى أقلب فى جيوبى.. وامسح بكمى شبورة نضارتى.. والعرق اللى ناشع.. من كل حته فى روحى.. باعتذر.. لكل اللى بيخبطوا فيا»، يقول فى أحد المقاطع الشعرية «كل يوم.. يرمى الفكه.. اللى بتشخشخ فى جيوبه.. فى صندوق جامع تحت الإنشاء.. ويسأل روحه.. نفس سؤال امبارح.. يا ترى رصيدى.. بقى كام دلوقتى؟»، حيث تبرز المفارقة واضحة ما بين أن تكون صندوق الجامع حصالة دنيوية وأخروية فى نفس الوقت، ومن المقاطع التى تبدو المفارقة فيها واضحة «مين ده.. اللى ماشى ورايا.. كإنه خيالى؟! يكونش مخبر.. مزقوق من نسر ودبورتين؟!»، حيث نجد فى نهاية المقطع أن الشخص الذى يتعقبه هو ملك الموت، كما تصنع المقاطع بصيغتها الجزئية فى تقاطعها مع الحالة العامة للديوان مفارقات عديدة، يستخدم السعيد المصرى هذه المفارقات بما تحمله فى داخلها من طبيعة المقابلة بين الأشياء المتنافرة، وجمعها فى صورة واحدة ليسلط الضوء على قضية حياتية مستثيرا معه القارئ من خلال التفاصيل البسيطة للتفكير فى قضايا عامة وإنسانية، كما تأتى بعض قصائد ديوان «ناسى حاجه»، للسعيد المصرى محملة بالرمز المباشر حيث يذكر أسماء شوارع أو أشخاص تمثل رموز للنضال والحرية والثورة، فالديوان هو حالة تسامى نجح فيها الشاعرعلى أن يسلط عدسته ورؤيته ليولد من كثافة الأشياء والتفاصيل المادية الصغيرة والبسيطة عالما أرحب يشبه بتعريض الثلج لدفء الشمس فيتخلص عندها من جموده متحولا إلى بخار محلق حر وطليق من قيد صورته الصلبة والكثيفة، وهذا ما وعد به الشاعر فى تصديره «خلف أشياء بسيطة.. أخبئ نفسى لتجدنى، وإذا لم تجدنى، ستجد الأشياء».لـ«ريتسوس»، «كتب اسمه على الحائط، كى يتذكر العابرون أنه مر من هنا، كتب اسمه وذهب، وحين عـاد.. حاول عبثاً أن يتذكر.. من هو الاسم المكتوب على الحائط».لـ«وديع سعادة».

ع القهوة.. للشاعر/ محمد محمود




ع القهوه الساعه تلاته
ما بأيدناش ولا حاجه
نشرب شفطه من البن
نتذكر بسذاجه
ازاي كنا بنتذاكى عالدنيا بكم غباء
بيكفي بلاد و يفيض
بقى معقول صدقنا
نفرح و يجينا العيد ؟

العيد مهواش لينا
و ان كان لينا مهيجيش
هيبحر من قبلي
و يزوغ بين شرق و غرب
ياما كان في ناس قبلي
بيجيها العيد بالكرب
فهنرضخ للمكتوب
و نطاطي الروس للرب
و هنفرح انه مجاش
و ندوس على نن القلب
مبنتعلمش بلاش
بعزننا متنا ف حرب

و حقيقي العيد موجود
بس الناحيه التانيه !
هيعدي فنلمح ضي
مش أكتر من ثانيه
فتقولي ده ايه اللي هناك ؟
و انا هعمل مش عارف
و تقولي انك شايفاه
و انا هحلف مش شايف
تضحكي و انتي بتبكي
و انا هعمل تلاجه
عالقهوه الساعه تلاته
ما بايدناش ولا حاجه.

***************

محمد محمود

التعويذة .... للشاعر/ محمد النويهي




التعويذة

........



يوشيه ماشيها
عكس الطارة
بس خسارة
كان جايب
ع السرعة دى
وفاكرها مارشيدير

خبط له كام واحد
ما تعديها
باش حارة
خايب
ومعدى
فى حارة الأمير

كان وده يقضيها
الفذ والنوارة
ياحبايب
أنا قصدى
ح تكسبوا كتير

الديكُ كاكا
بيوريها
العبارة
كان غايب
سى الأفندى
ما عندوش
خالص ضمير

..........
محمد النويهى
18-07-2014


بدون عنوان... قصيدة للشاعر أشرف مقلد





30 مايو 2015
بدون عنوان


..........


من غير تقديم وبدون عنوان
احنا عايشين جو مصيبه
السجن كبير من غير سجَّان
والشعب حبيس جوه زكيبه
وشباب بتموت ف ميدان ولمان
والعيبة بتكتر ف الشيبه
وعساكر تسحل ف النسوان
وشيوخ منزوع منها الهيبه
تشهد بالزور لفلان وفلان
ضلالية بدقن وب زبيبه
وفلول وبياده وزيد إخوان
أصناف عايشين دنيا عجيبه
إعلام رقاص أشكال وألوان
تسمع له كأنك ف زريبه
يرقص للكل كما السعدان
فاضيين للكدب وللغيبه
والشعب الطيب ده غلبان
يتغاشموا عليه يزداد طيبه
ومقضي العمر ما بين عطلان
أو بين شقيان ف التغريبه
بيبيع العافية ف كل مكان
وبيدفع من عمره ضريبه
هاتقولوا دا جاهل أو متهان
هاتقولوا دا عيب ف التركيبه
آدي مصر بدون مساحيق ودهان
وبدون تزويق ..... احنا ف خيبة

من تنهيدات الشاعر صلاح يوسف




(ساعة اللقا)


ليه كل مره أكلمك
نفسي احضنك
تشهق شفايف المستحيل
تتمني أني أودعك
حزنك عليل
أنتي دايما تشبهيني في لهفتك
صبحك جميل
لما شوفت الفجر غار من طلتك
والحلم يروي الكون حنان من رقتك
دقات قلوبنا اتوحدت
من رعشة الحضن اللي زلزل الاشتياق
وسال عبير العطر من عرق الاماني
في ضمتك
والجو راق
سكرت قلوب العاشقين
وبقينا زي مقام للمشتاقين
يتباركوا بيه ساعة اللقا
يااااااااااروعتك....

...........
(تنهيدات صلاح يوسف)

عيل لسه... للشاعر/ محمد خالد الشرقاوي




محمد خالد الشرقاوي
..........

عيل لسه ...
يا دوب بيتهجي حروف الكلمه
و أما بيلمح طرف عنيه :-
البنت الشايله الشنطه بتضحك
للواد الواقف ف الشباك
كان ديماً بيفهم :-
سر اللمعان ف العين
عيل لسه !!
بيسرح شعره علي الجنب
و ف قلبه الحلم يزيد نمو
نفسه يكبر:-
خمسه بمقاس الإيدين
ف يلاقي نظره " يحسها "
- يسهر علي النغم الرقيق
- سكران و من خمر الكلام
- يرسم الصوره ف خياله
- يهمس كلمه برقه تعدها
و اما تغلي النشوه فيهم
يشّبِكوا الأتنين أيديهم
وبخفه يجروا ف ساحه خضرا
ينده القمر البعيد
بسرعه ينزل الكادر
يرقصوا جواه (( سلو ))
و العندليب سهران معاهم
- ((- و القمر خدنا القمر
لجزيره ابعد م الخيال
لا شافتها عين
ولا جات ف بال -))-
و يعيش هيام العاشقين
وقت الفراق
يبعت القمر مرسال
بكلام يزغزغ ف المشاعر
يا ....... اللي ما أعرفكيش !!؟
مرفق طيه
صوره ليكي
رسمها قلبي
من ذاكره السمع
- يا أيُها الصوت الذي
حدثني ..
علي مضدٍ
ف المنام -
أحلف :-
بكل " أها "
ف (( سيره حب )) ثومه
- أني دايب …
زي باقي العاشقين -
و حياه ساعات الفكر فيكي
وقت انقطاع الكهربا
- طال الغياب -
و جوه قلبي
100 صوره ليكي
و علي الجدار الخارجي
- القلب ....
- و السهم اللي خارمه م الجهتين
- و حروف اسمي المربوطه
- وعلامه أستفهام ف أخر السهم
" متضايقه "
و باصه ف ساعه الأنتظار
و حياه السته ف الميه
اللي ما تعبتوش مذاكره
- و القرأن علي عنيا
- و المسيح الحي
أحلف بأيه و تصدقيني
-- طال الغياب --
و بدون ما أعرف
حتي شكلك
و الله بحبك .

عنوانــــي.... للشاعر/ أيمن عبد المقصود




عنوانــــي..



عنوان الشارع ما يتوِّهـش
البيت معروف
شبَّاك شقتنا بلون مخطوف
باب البيت منقوش بكفـوف
من أيام العز الغابر
لما دبحنا
ف مره خروف ..
بس الدبح ده كان له ظروفـُه
والإنسان بتقابله ظروف
ياللي بتسأل عن عنواني
أنا عنواني الشارع الاخضر
المتفرع من شرياني
بيتي مزيج من حِنـَّة وعنبر
والشِبـَّاك منقوش بأغاني
باب البيت مفتوح ومنوَّر
إطلع دوغري الدور التاني
بيتي بسيط أد ما تتصور
والمذكور صنـْعِتـُه حلواني
بَاسْقِي الناس من شهد مكرر
كَفـِّي سنين ممدود لجيراني
بس بوصفي الأخ الأكبر
ليـَّا عتاب عندكو يا اخواني
ياللي آذانك الله أكبر
وبتتكلم كده بلساني
وبتتوسل لله وحدُه
خـُد من قـُولي المعنى التاني
أي غريب يدخل وسطينا
إوعَى تصدَّق إنه معانا
ده ملعون أوي وابن لذِينَ
ندل حقير وبيتحدَّانا
يقتل فينا رضيعنا وشيخنا
وبنتلـَفـِّت مِنـُّه ورانا
عَندك جار في الآخِر جدا
حُط ما بينـُه وبينك حَدَّاً
إيَّاك ياخدك تحت عبايتـُه
واللا تصدَّق للسانـُه وعداً
ماسِك دايما سِبحَه ف إيدُه
لكن أصله قديما وغـْدَاً
عَندُه الظاهر غير الباطن
وبيخلِط سُمَّاً على شـَهـْدَاً
قبل طوفان الغدر ما يبدأ
فرَّق بين الآية والآية
آية ربَّك هيَّ المبدأ
آيه بعِمَّة وراها حكايه
قـُلت كلامي ورزقي على الله
حَق العيش والملح عليَّ
طـَبْ والله ما باقصُد إلا
إنـِّي أشوفكم كِدَه حواليـَّا
يَدِّنا واحده وقلبنا واحد
مُجْتـَمِعِين سَوَا ع الطبلية
إوعَى تصدَّق أيها واحد
لمـَّا يقولك كِلمة عليَّ
أنا ضحِّيت بالقـُوت علشانك
صاحي ونايم بالقومية
ودِّي أضمك ويـَّا اخوانك
نبقـَى قصيدة وبالعربية
إفتح وطني على أوطانك
شمس بلادنا ح تبقـَى عَفِيـَّة
واللي يعيش لبلاده وأهلـُه
عُمْرُه ف يوم ما تموت له قضيَّة

..................

أيمن عبد المقصود
عضو اتحاد كتاب مصر

2014/08/03

ليس على الأعمى حرج... من تجليات المبدعة نورهان صلاح




.... يبعـد بيت سيد الاعرج مســـافة بيتين عن بيت الشيخ حسن . يعمل ابوه عبد المحسن
أفندى كاتب فى الجمعية الزراعية . بشــهادة الأعدادية . عينوه يوم أفتتاحها بحضور المحافظ
ومأمور المركز .. وتوســـط له العمده الحاج عبد الرحيم صالح . الذى ينتسب من بعيد الى
عـائلة الشــيخ حســن الأعظـم صاحب المقام ، المقٌام آخــر الجبانات وعلى اول حدود الحقول
من الجهه الشرقيه . فاصبح عمــره الوظيفى من عمــر الجمعية الزراعية . يعرف كل شئ فيها
وعلى دراية بما يجرى فى دهاليزها من محسوبيات وواسطات . وما يقع فيها من مصائب .
ونأى بنفســـه عن هذا كله . معتمدا على راتبه الشهرى وما تجود به أرض العائلة التى له فيها
نصيب .... رجل صالح لا يترك فرض الله من صلاة فى وقتها . وخص للوضوء قبقاب تحت مكتبه

ومنديل محلاوى يضعه على رأسه وقت الصلاة . ثم تحت الطربوش ابو زر حال ذهابه وايابه من

العمل ليقيه حرارة الشمس . قصير القامه . منبعـج الكرش . له شارب غليظ على وجهه النحيل

ورأسه أصلع يلمع أفتح من لون ســـحنته . كان موكل اليه فتح وأغلاق الجمعية لكونه من القرية

وباقى العاملين من مراكز وقرى مجاوره .

.. فى الســاعة الثانية والنصف يقوم عن مكتبه . ويغلق الادراج جيدا . ثم يرتدى المنديل على

رأسـه ويكبس عليه الطربوش جاعلا الزر عند اذنه اليمين . ثم يتنحنح ويخرج الى الباب الرئيسى

ويضع المفتاح مكان الغلق ويقف منتظرا خروج زملاؤه حتى آخر نفر . وكل منهم يلقى عليه

السلام . وهو يردد دون توقف ... سلام .... ســلام .. سلام . كأنه فى طابور عزاء . ثم يغلق الباب

ويهزه بقوة ليتأكد من تمام أغلاقه . ويمر على الشبابيك ليطمئن على احكام قفلها . ويتأبط

الجــريدة القديمة التى اشتراها من البندر منذ قرابة شهر . ويمسك المنشة الموروثه عن ابيه

فى يده اليمين . ويظل يهش بها لا شئ ويضرب بها رجله . وهو يخطو بتؤده كالطاووس .

والناس الرائحة والآتيه تلقى عليه السلام . أو تسأل عن سلامته .

_ أزيك يا عبد المحسن أفندى ,

_ عال .. الله يخليك يا مصلحى . سلم على ابوك .

_ سلام عليكم يا خال .

_ عليكم السلام . ازيك ياواد يا علي .. سلم على أمك .

_ التقاوى وصلت يا عب محسن أفندى .

_ وصلت يا حاج فوزى .. ابقى تعالى استلم بكره .

_ طيب .... مستنينك على القهوة علشان تقرالنا الجريدة .

_ طيب ....

لا يتوقف فمه عن رد التحايا حتى يصل الى البيت ليجد زوجته فى انتظـــاره على الباب .

امراة طويله رفيعه العود . كحيلة العينين .. جديلة الشــعر . تعوج القمطه على رأسها

وتلفها لفتين . وتربطها من الجنب فوق حلقها المخرطه . وتجعل شعرها جديلة على صدرها

وجديلة على ظهـرها . كالعايقه ..

ظلت عشر سنين لا تنجب . زارت خلالها كل اولياء الله الصالحين بداية من المرسى ابو العباس

حتى السيدة نفيســـه . وقطعت عهدا عند مقام السيد البدوى . واخذت أثر عبد المحسن

وألقت به فى جب مهجور حتى يخرج المولود بجمال سيدنا يوسف . وعندما دعتها خضرة

زوجة حسونه الجزار لحضور زار أقامته عندها لتخرج العفاريت عن جســدها . لبت الدعوة

وذهبت .. فلما أنتهت . أخذتها الشيخه من يدها وأعطتها زجاجه بها سائل كالماء . وقالت

لها هامسة : _

_ تضعى ما فى الزجاجه على صفحية مياة ساخنة . وتستحمى بها . بعدها

لزما .. ولابد .. أن ينام زوجك معك . وانشاء الله يحصل المراد من رب العباد .

ثم أعطتهــا صابونة فنيك ملفوفة فى قطعة قماش . وقالت لها مبينه ماهيتها وهى تضرب

بعينيها يمينا ويسارا . كمن تخاف ان يسمعها أحدا أو يرى ما يدور .. : _

_ الصابونة دى . صابونة الفرعونه مرات الفرعون الكبير . والله . وآدى يمين بالله ما تخرج

الا للحبايب . استعمليها مع المياة . الفرعونه مرات الفرعون الكبير . جابت مائة ولد فى

فى بطن واحده . غير البنات . آى والله .

وما أن سمعت ذلك الكلام . حتى أنحنت على يد الشـــيخة وأغرقتها بوســا ودموعا . واخرجت

من صدرها عشره جنية ودستها فى يدها .. وهرولت خارجه . تريد ان تفعل ما نبهت

عليه الشيخة قبل عودة زوجها عبد المحسن أفندى من المقهى .

أعدت العدة .. ورفعت الاناء على رأسها وأفرغت المياة ثم دعكت بالصابونة الفنيك . وما ان

أنتهت حتى شعرت أن جسمها كله قايد نار . فكتمت صرختها ولم تستطع لبس جلبابها

رمش العين المخصصه للنوم . فانزولت عارية فى ركن السرير تبكى من ضياع الفرصة . ومن

حرقة جسدها . ولم تجرؤ أن تحكى لزوجها على ذلك لما رآها على هذا الحال . وهو

مصمص اسنانه عجبا . ثم أعطاها ظهره ونام . وظلت طول الليل على حالها حتى غفت

من التعب ..

**********************

.. فى يوم موســـم عاشوراء ، جهزت فرخة عتقية دستها فى الارز . ووضعتها فى مشنه

مع طبق ملوخية . وحملتها على رأسها . وعزمت الذهاب الى أبيها فى الحقل . وفى

نصف الطريق قابلها زوجها عبد المحسن اذ كان راجعا من العمل . يتأبط الجريدة وفى

يده اليمين المنشه .

_ رايحه فين يا وليه ؟؟ وأيه اللى شيلاه على دماغك ده ؟

_ رايحه لأبويه ..... أوديله الغدا ... كل سنه وانته طيب ياسى عبده . ما تيجى تتغده معاه .

_ لاء ... روحى أنتى .

_ طب ويمين النبى لا أنته جاى ... يوووه حلفتك بالنبى .

_ اللهم صلى عليك يا نبى ... طيب .

رجع معها وســارا يتحاكيان . ويوزعان التحايا على الناس . وعبد المحسن ينش لا شئ

بالمنشة ثم يضرب بها كفه الشمال . وعندما وصلا عند بداية الجبانات . زعق عبد المحسن

بصوت رخيم بعد أن أبطئ ســيره ووضع المنشة تحت أبطه مع الجريده . ورفع كفيه .

_ الفااااتحة لأمواتنـــا واموات المسلمين .

_ ولا الضااااالين آآآآآآمين ..... ؛

لما انتهيا من قراءة الفاتحة . كانا قد اقتربا من مقام الشيخ حسن الاعظم . ألتفتت أم هاشم

ناحية المقام فذلت قدمها ووقعت على الارض . ووقعت المشنه وتناثر الارز والملوخية .

وتدحرجت الفرخة مترين .. وقد علق بها التراب وبقايا روث البهائم .. وظلت ام هاشم منكفئة

على وجهها قاطعة النفس . وعبد المحسن يضربها على صدغها محاولا أفاقتها . حتى تجمع

المارة والجيران وأشموها بصلا . أتوا به من زرعة كانت تتوسط باب مقام الشيخ حسن

الاعظم فشهقت وأفاقت بعد أن فركوه فى وجهها فركا . وكان كلب الحاج مسعود البقال

الذى طرده عملا بنصيحة الشيخ عبد الرحمن امام الجامع . مارا يتلوى ويلعب بذيله . ما

إن شم رائحة الفرخة حتى أنقض عليها بأنيابه وأخذها وولى هاربا داخل الجبانات .

وفزع عبد المحسن وترك رأس أم هاشم التى كانت فى حجره فأرتطمت بالارض وصرخت

أم هاشم . وصاح عبد الحسن كأنه يستنجد .

_ حلق ياوله .... حلق على الكلب يا جدع .. الله يقطع الكلب والحاج مسعود فى يوم واحد .

يا سنه ســوخه يا ولاد ... طب والله لما أشوفك يادى الكلب .

وزامت واحــدة من الواقفين .

_ يا خســـارة الفرخة يا ولاد .

.. حملوا ام هاشم على عربة سيد اسماعيل الكارو . وركبت جوارها الباتعة زوجة الشيخ

عبد الرحمن امام الجامع اذ تصادف مرورها وبعض نسوة القرية العائدات من الحقول .

_ مش دى أم هاشم بنت الحاج زكريا ؟

_ أيوه أخت أسم النبى حارســـها الست مفيدة .

_ يا حول الله ياربى . ؛

_ يوه .... أومال فين أبنها هاشم ؟؟

_ كهه كهه كهه .. يا حوووومتى ... يخيبك مره .. هيه أسمها كده أم هاشم . ما عندها عيال

ما بتخلفش .. كهه كهه .

_ يوه ....

أخذت النســوة يتهامسن . وهن يضممن شفاهن ويحركانها يمينا ويسارا كالمتشفيات .

المستعجبات . ثم يطوحن ايديهن اليمين كل واحده بطريقتها . واحده تأخذها على فمها

المزموم . واخرى تضرب بها كفها الشمال ثم تمصمص اسنانها . ثم يتناوبن قول .

_ يا حول الله يارب ..... يا عينى ...... يا ولداه .

ثم يضحكن بصوت خافت فى خباثة . حتى وصلوا الى البيت . عبد المحسن قال .

_ طيب يا جماعة ما نجيلكم فى يوم رضى . متشكرين أوى خالص . حسابك كام

يا معلم سيد . ؟؟

المعلم سيد ضرب الحصان الجربان بالكراج وقال .

_ لا والله لا يمكن .... وعليا الطلاق ما آخذ حاجه .

عبد المحسن قال .

_ طب علشان الحصان يا معلم .

رد المعلم سيد وقال .

_ يعنى عايزنى أطلق المره ياسى عب محسن .

_ طب متشكرين اوى . نجاملك فى الافراح ........... قومى يا أم هاشم وصلنا . قومى

يا وليه ..... قومى جك حش وسطك .. مش كفاية الفرخة اللى سرقها الكلب . ؛


*************************

كانت الشمس قد انسحبت من شوارع القرية وأخذت تمشى متخطية الجبانات . ووقف

ظلها قليلا فوق سطح مقام الشيخ حسن الاعظم . حين كانت تمر حمارة عزيزة العمشة

حامله على ظهرها زكيبه ذات طرفين .. فى طرف برسيم . وفى الآخــر فأس وشرشره

وبعض حزم الخضروات وبضع جذور البطاطا . وعزيزة العمشه تمشى تتمخطر وتغنى

ممســكة بذيل الحمــاره . نظرت فوق سطح مقام الشيخ حسن الاعظم . فوجدت الشمس

واقفه لا تتحرك فمصمصت أسنانها عجبا . وقالت فى سرها . شيخ كله بركه . ثم اكملت

المسير حتى وصلت باب الحارة فأنثنت يسارا ودخلتها .

أستوقفتها ام هاشم التى كانت تكنس أمام الدار . ضاحكه . وأنثنت بسرعة ناحية البرسيم

وملأت يدها وراحت تأكله بنهم .. فبهتت عزيزة العمشه وخبطت على صدرها .

_ دا برسيم يا ام هاشم .

_ أيوه عارفه . روحى بتهف عليه من الصبح .

_ ينيلك مره ... طب والنبى ومن نبى النبى نبى أنتى حبـله ... آى والله .

_ حـبـله . ؛؛؛ طب والنبى يا عزيزة ... إن كان .. ؛ لأجيبلك حلاوة طحينية .

_ يوه .. الشمش كانت واقفة على مقام الشيخ حسن الاعظم . دى بشرة خير .

وأخذت تزعرد والحمـــاره من الضجيج نهقت . وتجمع بعض النسوة والبنات حول أم هاشم

يباركوا لها على الحبل الذى لا تعرفه .

_ أنتى فاكرة البصلة اللى فوقتك يوم ما وقعتى ؟؟ كنا واخدنها من على باب مقام الشيخ

حسن الاعظم . بصلة مبروكه آى والله .

_ وقالت عزيزة العمشه . الشمش كانت واقفه على سطح المقام . دا يوم مبروك . أى والله

وقالت صالحة زوجة حسين وكانت حامل فى الشيخ حسن .. مبروك يا أم هاشم . ربنا

يتمم لك على خير .

.. وبهتت أم هاشم من المفاجاة ونمل وجهها وأحمرت خدودها . لكنها ظلت تمضغ البرسيم

المتبقى فى فمها .. وأرتكنت على جدار البيت وقالت بصوت عالى .

_ بت يا صباح ... روحى أندهى لأمى .

.. ظلت القرية طول الليل تتحدث عن البصلة المبروكة التى أفاقت أم هاشم لما وقعت من

شهرين يوم مولد عاشوراء والتى قطعها سيد العربجى من باب مقام الشيخ حسن الاعظم

والشمس التى وقفت على سطح المقام . وحزمة البرسيم التى أكلتها ام هاشم . وهى

بتتوحم .. ولا تدرى أنها حبلى .. ؛
.......................
يتبع.......

نورهان صلاح