2014/04/26

سمير عبد الباقي .. عرضحالجى الغلابة ومندوبهم الدائم في المعركة.... ////// محمود الحلواني





سمير عبد الباقي .. عرضحالجى الغلابة ومندوبهم الدائم في المعركة



ــ شعره احتفالية شعبية، تتعدد فيها النبرات الشعرية وتتجاور في نسيجها المرن والمفتوح فنون الشعب وأدبه.

ــ انتماؤه للكادحين والغلابة من أهله جعل من أشعاره سلاحا يشهره في وجه أعدائهم.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



" أنا أديب مش أدباتي

بإيديه ولساني باهاتى

كلماتي آهاتي سكاتى

خرابيش عل حيط الزنزان"



يكاد سمير عبد الباقي يمثل تيارا وحده في شعر العامية المصرية، لم يغادر ـ عامدا ـ مرجعياته كشاعر عامية، وظل ممسكا بيد قوية على أصول هذا الشعر من فنون قولية عامية، وشعبية. يدبج منها شعره، واصلا بين جذور هذا الشعر وبين فروعه من ناحية، ، وبين الشعر وبين منتجيه من الفلاحين وغيرهم من مبدعي الأدب الشعبي على اختلاف أداءاتهم وأدواتهم من ناحية أخرى، وبين هذا الشعر وجمهوره الطبيعي من ناحية ثالثة. كما يقف عبد الباقي ــ أيضاـ على رأس تيار قررـ عامدا ـ أن يظل محافظا على وعود شعر العامية المعلنة على ألسنة شعرائه الرواد في قصائدهم وفى أحاديثهم ، وتلك المضمرة ـ أيضاـ في كونه قد اختار لغة الناس مادة لتشكله وأداة لتوصيل رسالته، وهى تلك الوعود التى ترتبط بكونه ـ كلام الناس ـ وأنه ـ لذلك ـ لابد أن يعبر عنهم ويكون لسان حالهم الذي يفصح بلسان شعبى مبين عن آلامهم وأفراحهم ، أشواقهم و تطلعاتهم نحو عالم أفضل، في مواجهة عالم لا يقيم وزنا للفقراء والضعفاء ، كما لايقيم اعتبارا لقيم العدالة والحرية والصدق .

"الشعر صحبة كلام الناس ومشاعرهم

حتى امرؤ القيس لَحَن بأغاني سامرهم

فياللى عايز يكون فنك .. نغم وحياة

عبر عن الخلق .. ح تبقى شاعرهم ".

يمكن النظر إلى أشعار سمير عبد الباقي ـ إذن ـ بوصفها جسرا، لا محطة وصول ، هكذا اختار له انتماؤه للشعب ، فراح يمتد منهم وإليهم ؛ انتماؤه السياسي للكادحين والغلابة من أهله جعل من أشعاره سلاحا يشهره في وجه أعدائهم وظالميهم ، فصاغ أحوالهم حججا دامغة على مظلومياتهم ، لا تقيم الدليل فحسب ، لاتطلب ، بل تأمر ، تفضح وتعرى وتهاجم وتصوب الوخزات، تفقأ عيون الجبابرة والمتسلطين والمتنطعين والكذابين ، وتصم آذانهم بقوة . ومن ناحية أخرى فإن انتماءه لتراثه الفني، الشعبي، جعل من أشعاره جسرا بين شعبية الآداءات الشفاهية في الماضي وقصيدة العامية في الحاضر ، حتى بات شعره كرنفالا تتعدد فيه النبرات الشعرية وتتجاور في نسيجه المرن والمفتوح تجليات فنون الشعب وأدبه من حكم وأمثال وألغاز ونكت وسير وأغان ومواويل، وتلعب على مسرحه أراجوزات، و وأدباتية، ورواة للسيرة إلى جوار الشاعر والزجال .

" أنا الأراجوز النوزى

لا منتهز ولا مهزوزى

أنا الذى يوم العوزه

تلاقينى مطرح ما تعوزى

لو عزتى قمره اقطفها لك

لو بينى وما بينها مهالك

عفيف أنا ومش متخفف

من الهموم اللى ف بالك

وضحكتك فيها كفايتى

وقلبى على طرف عصايتى"

نسيج ثرى ومشبع ، يخاطب الناس بلغاتهم، ويحفظ لهم إرثهم أيضا ، وهى مسألة فنية وأخلاقية أيضا ألزم بها عبد الباقي نفسه، ورعاها في أشعاره وأزجاله ومواويله .

هذا التعدد والامتلاء بإبداع الشعب ليس وحده ما يميز النسيج الشعري لنصوص أشعار سمير عبد الباقي، وليس هو الحجة الأظهر على انتمائه لفنون وأدب الشعب، هذا هو الظاهر الواضح الذي يمكن لأي محلل رصده وتحريه ، إنما هناك ماهو أعمق من هذا المستوى وأكثر دلالة على ذلك الانتماء ، وهو ما أسماه ( والتر.ج.أونج في كتابه الشفاهية والكتابية ) بـ ( لهجة المخاصمة ) تلك اللهجة التى تسم كل إبداع شفاهي أصيل ، ولعلها أهم سماته على الإطلاق، وهى التى يمكن رصدها بقوة في أشعار عبد الباقي، تلك اللهجة التى تضع المعرفة دائما في سياق صراع محتدم، ، تنزل بها إلى ساحات النزال:

" في ساحة الشعر أنا فارس ومالي مثيل

ومهرتي فرسه حره من كرام الخيل"

دائما تضع لهجة المخاصمة مبدعها في مبارزة ، فهو إما يسلق خصومه بألسنة حداد كالسياط، و يضربهم بشمروخ الأراجوز أو ينزلهم منازل الإحساس بالعار بسخريته اللاذعة وتهكمه وشكشكته المدوية ، وهو في بعض الأحيان لا يستنكف من أن يذكرهم بالإسم :

" مالك يا أبنودي بالثورة - ماتستعبطش

أنت فلول بامتياز و نتاج زمان البطش

الثورة إيقاع صراع و هارمونيّة فكر

مش بعض من شعر باهت ح يأهلك للمانش

...........................

سد الذرائع، كفاياك كدب ع الأيام و بطـّل هتش"

وإما أنها( لهجة المخاصمة ) تستدعي الأصدقاء والجيران إلى ساحة التنافس والمبارزة لممارسة أنواع من اللعب الجاد ؛ كأن تتسابق في حل الألغاز والأحاجي، أو تثير الإعجاب بالنكت والفكاهة، أو لتأكيد التميز في تظهير المواويل، وإحكام المربعات و التسابق في تسميع المحفوظات والطرائف . وفى كل الأحوال فإن لهجة المخاصمة لاتعمل في فراغ التجريدات والمفهومات المتعالية ،أو لمجرد تمضية الوقت ، إنما تعمل لتحقيق مصلحة ما، أدناها الحصول على إعجاب الجمهور وتعاطفه ومشاركته الوجدانية ، وأعلاها وأبرزها تأكيد وإبراز عنصر البطولة ، عن طريق التغلب على الخصوم ، في أي لعبة أو معركة كانت حتى لو كانت القدرة على حل لغز أو إحكام مربع ، أو تظهير موال ، أو رواية سيرة . وهو تحقق مشروط بوجود مجموعات بشرية تنقسم بدورها ، بحكم لهجة المخاصمة، التى تسم الأدب والفنون الشفاهية إلى فرق وخصوم متصارعة ، يحاول المتخاصمون أو المتنافسون كسب معاركهم باجتذاب أشخاص آخرين إليهم يقفون في صفهم ، ينتمون إليهم ، كما يحاولون اكتساب تعاطف الجمهور ومشاركته الوجدانية.

" من يوم نطقت لقيتنى ميدان .. لكل أحزان الإنسان

غنيوتى لليوم الآتى.. عصايه في إيدين الغلبان "

وتكاد تجربة الشاعر سمير عبد الباقي لاتغادر هذه السمة الشفاهية الأصيلة التى تميز كل أدب يتصل بتراث الشعب، وبقراءة نصوص وقصائد الشاعر يمكننا إرجاع تلك اللهجة، لهجة المخاصمة ، إلى سببين مباشرين أولهما :الهم السياسي الذي يحرك الشاعر ويدفعه للكتابة ، حتى تكون " قصايده سيف ولسانه حصان " والثاني هو تلك المرجعية التى يستند إليها الشاعر في تشكيل قاموسه الشعري والاستعارى وهو الفنون والآداب الشفاهية ، الشعبية .

ولعل خير تعبير عن هذه السمة وهذا التوجه ( لهجة المخاصمة ) في أشعار سمير عبد الباقي هو ما صاغه الشاعر بنفسه في ( لا مقدمته ) التى وضعها لكتاب الشعر الأول الذي يحتوى 10 مجموعات شعرية والذي صدر عام 1991 " يقول فيها : " في وجه أدعياء الاشتراكية وأعداء الفن والشعر من أنصاف الموهوبين والأغبياء الذين استحلوا الوطنية والقومية والتقدمية واستحلبوها عطايا وامتيازات واستخدموا الحلم والفن مطايا للمزايا والملذات " وبعد عدد من الفقرات التى خصصها لفضح أولئك وكشف مصائبهم عاد وقال : " ومن أجل شرفاء التقدميين واليساريين المبدعين من أبناء هذا الشعب من الموهوبين الحقيقيين ـ المظلومين والمقهورين والمرفوضين .. الذين التزموا الشرف والحرية والفن الإنساني الجميل فألزموا القهر والفقر (......) في وجه أولئك ومن أجل هؤلاء وغدهم الأفضل والأجمل أطلق آهاتي وصرخاتي قصائد وأغنيات وأزجالا لعلها تسمع أصما .. أو تنطق أبكما .. أوتنزع القناع عن كاذب أو تكشف ستر متآمر .. لكي يأتي يوم يسقط فيه كل الطغاة الصغار .. من المتحكمين في حقول اليمين .. أو المفسدين في حدائق اليسار .

"يعيش مبارك ألف عام- محمي من الموت الزؤام- ومن العته ومن الفصام- ومن الكساح ومن الزكام- ومن الجرب ومن العجز ومن الجذام-عاش مستقيم ومستديم ومستدام... يحميه من السم الخفي في لقمته- يرقيه من الكدب اللي بتدسه الغباوة في كلمته- ينجيه من الغدر اللي في عيون اللي عايزين يورثوه- ومن اللي عايزين بالحيا- في قلة حياء يكفنوه".

ربما من أجل ذلك نجد أن أبرز الصيغ وأكثرها دورانا وحضورا في أشعار سمير عبد الباقي ، هي صيغ التهكم والسخرية والتي يليق بها أكثر أن تحصل على مسمياتها من قاموس لغة الشعب ، وليس من سجلات الأدب و النقد ، يعنى أن نقول صيغ : التلسين ، النأورة ، النأوزة ، المألتة وما إلى ذلك من أساليب استقاها الشاعر مباشرة من إبداع روح الشعب وفنونه ، من المصري الذي ظل يقاوم بالنكتة، ويوقع العقاب بخصومه عن طريق التلسين وفنونه .

فرحان بشعري وكإنى ح اعدل الموازين

أشعل شموس اليسار واقصف ضوافر اليمين

نسيت بإنى غريب قى أمه أمية ..

حالتها ( شعرية ).. شوربه فى حلل ميلامين

...

ومثقفينها باعوها بدمغة التعين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق