2014/04/25

سعدنى السلامونى: الشعراء الكبار يدفعون ضريبة تمردهم على قوانين المدينة



حوار منقول عن المبدع: ياسر أبوجامع


المدينة قذفتنى للشارع ولكنى مازلت قادرا على فرض قوانينى

سرياليتى وخيالى هو الواقع الذى يجب أن يكون عليه المجتمع





سعدنى السلامونى، القراءة والكتابة فى سن السابعة والعشرين، تمرد على مهنة نجار السواقى، وانتقل إلى القاهرة، من أهم أعماله، دواوين، رغاوى الألم، تصبح على خير، عضم خفيف، أول شارع شمال، وديعة فى البنك، دواوين فى الدرج، أرواح بتطير،.. وله عدة روايات شعرية، قدمه إلى الساحة الأديب العالمى نجيب محفوظ، حين قال للجرائد "لا خوف على شعر العامية فى مصر مادام سعدنى السلامونى موجودا"، تم ترجمة دواوينه إلى الانجليزية، والألمانية، والفرنسية، واختارته ألمانيا فى موسوعة الشهرة، ضمن أهم الشعراء فى الوطن العربى، مع صلاح عبد الصبور، وأمل دنقل، وأحمد عبد المعطى حجازى، وعبد المنعم رمضان، ويتم تدريس بعض دواوينه بالجامعة الأمريكية، "حقوق" قابلت الشاعر الكبير وأجرت معه هذا الحوار.



- كيف كانت حياتك فى قريتك، وما هى قصة عدم دخولك المدرسة؟

- قرية نادر، قرية ريفية كل مبانيها بالطوب اللبن، لم يكن قد دخلتها الكهرباء بعد، وهذا المجتمع له معتقده الدينى والأخلاقى من عادات وتقاليد، فهو مجتمع منغلق على نفسه، وكنت أسمع عن القاهرة التى تبعد عن قريتى حوالى 200 كيلومتر، وأعتبرها باريس مصر، ثم دخلت الكهرباء وتبعها التليفزيون، فكنا لا نصدق أن هذه البنايات العالية حقيقية، وأن النساء يمكنها أن تدخن مثل الرجال، وقريتى بالنسبة لى هى كوكب غيطان ومياه وسواقى ومساحات خضراء تربيت فيها وأثرت فى تكوينى، ثم بدأ التمرد على كل ذلك عندما أتى الخفير ليخبر والدى"الذي ورث مهنة نجارة السواقى أبا عن جد " أننى مطلوب للمدرسة فقال له والدى "اكتبوه ميت، هو أنا لاقى أأكله هو وأخواته علشان أعلمه"، هذا أثر فى نفسى بشكل كبير جدا فجملة "اكتبوه ميت" قضت على أحلام الأمس بالنسبة لطفل يحلم فى الغد بدخول المدرسة، وما زالت تؤثر بى حتى الآن، فكنت أذهب مع الأطفال إلى المدرسة فيطردنى المدرس ويحرض الفراش على ضربى، وهو يقول أنت مكتوب عندنا ميت، بعدها كنت أنتظر بزوغ الشمس حتى أنطلق إلى الغيطان والبراح بعيدا عن القرية التى رفضتنى، وأبى وأخوتى الذين نعتونى بالميت، ومن هنا بدأ التمرد الحقيقى، وبدأت أرى المجتمع من الخارج لأنى كنت رافضا أن أكون واحدا منه أشارك فى سلبياته، وفى نفس الوقت بدأت رحلة والدى الذى كان يرغب فى تعليمى أية صنعة، لكنه لم يفلح بطبيعة الحال، فاضطر إلى تعليمى صنعته وصنعة آبائه "نجارة السواقى"، فكان يأخذنى معه لتصليح السواقى، وبدأت أتأثر جدا بإيقاع الساقية، وأود أن أقول أن إيقاع الساقية يمكنه أن يخرج مدارس شعرية جديدة لو كتبنا على هذا الإيقاع، وأنا غير مسموح لى أن أكتب بهذا الإيقاع من جانب أشباه النقاد، الذين تحتفى بهم الدولة ويطلقون على أنفسهم نقاداً كباراً، فإيقاع الساقية مع ألون السماء تجعلك تشعر أنك داخل معرض لفن تشكيلى .




- متى تعلمت القراء والكتابة؟

- قررت وأنا أبلغ من العمر 27 عاما أن أتعلم القراءة والكتابة، لأنى شعرت أننى بحاجة للقراءة لأعمق تجربتى، وأحتاج للكتابة لإخراج هذه التجربة على الورق.

- كيف كانت رحلة انتقالك إلى القاهرة؟

- كانت رحلتى إلى القاهرة، بمثابة الانتقال من كوكب إلى كوكب آخر، ففى حياة كل مبدع مراحل أعتبرها أنا براويز، ينتقل الفنان طيلة حياته من برواز إلى برواز، وأقول فنان لأن الفنان هو الأكثر إطلاعا على المجتمعات، فخرجت من برواز الطوب اللبن والقرية والسواقى والمساحات الخضراء إلى برواز آخر ، برواز المبانى الأسمنتية، الجلوس على الكرسى، تقوم من فوق كرسى الأتوبيس، لتجلس على كرسى آخر فى إحدى المقاهى، مجتمع يمنع الجلوس على الأرض، ولذلك قررت أن أترك نفسى للشوارع، لأننى كنت أرغب فى تزويج المدينة بالريف،لا الانخراط فى المدينة والانجراف نحو عاداتها الغريبة عنى، وكان من الصعب جدا على أن تستسلم لى المدينة فأنا آت إليها بقوانين لا تصلح معها من وجهة نظرها، فألقت بى أكثر إلى الشوارع، ولكنى مازلت أمشى بقوانينى ودفعت الكثير ثمنا لذلك، مثلى مثل كل معظم الشعراء الكبار الذين رفضوا قوانين المدينة، وأوضاعها، كالشاعر فؤاد حداد الذى رفض أن يعيش بقانون المدينة المعلب، والشاعر أحمد فواد نجم الذى دفع من عمره 18 عاما داخل المعتقلات لكى يصنع قانونه الخاص، وكذلك يحيى الطاهر عبد الله، كل هؤلاء دفعوا ضريبة تمردهم ورفضهم الدخول فى طابور المدينة الإعتيادى.

- ما هى قصة رائد الفضاء؟

- عندما كنت طفلا أبكى لكى يوافق أبى أن يدخلنى المدرسة فكان أبى جالسا أمام بيتنا يحاول ارضائى، فمر أحد الموظفين من قريتنا وجلس بجوار أبى وسأله "مالك مزعل السعدنى ليه؟"، فرد عليه والدى وأخبره أننى أبكى لشدة رغبتى فى الالتحاق بالمدرسة، وأنه غير قادر على إطعام أخوتى فكيف سيعلمه، فالتفت إلى الموظف وسألنى" نفسك تطلع إيه يا سعدنى لما تكبر؟"، قلت له"رائد فضاء"، فضربنى أبى وزج بى إلى داخل الدار، وقال للموظف" عاجبك اللى عايزنى أعلمه، ده عايز يودينا كلنا فـــ داهية"، وكان لهذا الموقف أثرا كبيرا أيضا فى حياتى.


- من من المشاهير أثر فى تكوين شخصيتك وطريقة تفكيرك المتمردة على المجتمع؟

- كان والدى يعشق الدكتور"طه حسين"، من خلال مسلسل الأيام، ويتابع برنامج العلم والإيمان للدكتور مصطفى محمود، فكنت اجلس بجواره أشاهد البرنامج حتى تعلقت به جدا، وأصبحت متأثرا بمصطفى محمود، حتى أننى عندما كنت أضرب أختى الصغيرة ونحن نتشاجر، فتذهب لتشكو لأبى فكان يرسلها إلىّ ويقول لها أخبريه بأن برنامج العلم والإيمان قد بدأ، فكنت بمجرد سماعى ذلك أسرع إلى داخل البيت فيمسكنى والدى ويضربنى، وكان هذا الموقف يتكرر بشكل شبه يومى حتى لو كان الوقت ليس ميعاد إذاعة البرنامج، وذلك لعشقى لهذا العملاق مصطفى محمود، فهو من زرع بداخلى التمرد وعدم الانسياق والخروج عن المجتمع الملئ بالمساوئ ،واللجوء إلى الشارع، ومن هنا تبدأ الثورة من الشوارع.

- كيف ترد على النقاد الذين يصفون أعمالك بأن أفكارها شاذة ومجنونة؟

- لماذا لا يكون المجتمع به الكثير من الشذوذ عن المسار الصحيح، وأن سرياليتى وخيالى هو الواقع الذى يجب أن يكون عليه المجتمع، فأنا أحارب سلبيات المجتمع بأفكارى، فأنا دورى كفنان مبدع أن أعالج المجتمع بكتاباتى، والجنون لأننى رأيت المجتمع على حقيقته، فهناك عباقرة خارج هذا المجتمع "هم المرضى النفسيين"، طردهم المجتمع إلى داخل المصحات النفسية، فكل مريض من هؤلاء كون كامل متكامل لا يمكن اختراقه، فأنا تعاملت معهم لأننى أكلت وشربت ونمت معهم فى "جنينة التحرير"، حيث كانوا يلجأون إليها بعد أن يتم طردهم من المصحة، فمعظم هؤلاء أبناء عائلات حدثت لهم حوادث جعلتهم يرون أن صراعات الحياة تافهة ولا تستحق الدخول فيها، وأنا منذ 12 عام صدرت كتابى "جنون رسمى" بــ"أغلقوا المصحات النفسية، مصر كلها بتكلم نفسها فى الشارع"، فهى أول رواية شعرية لى تحدثت عن المصحات النفسية، وتمت محاربتى كثيرا عليها، وقيل أن الرواية الشعرية جنس أدبى جديد، ولكنى لم أتوقف وأتبعتها بثلاث روايات أخرى هى "أرواح بتطير"، "مخ وأعصاب"، "دافنشى".



- بماذا ينصح سعدنى السلامونى الشعراء الشباب؟

- لابد على الشباب أن ينتبهوا إلى أن الشعر ليس ما يكتب فى مصر فقط، أو فى الوطن العربى فقط، عليهم أن يتابعوا الشعر العالمى ويلاحظوا تطوره، ويذاكرون ذلك جيدا لكى يصبح لكل مبدع منهم مفردته الشعرية التى تخصه، ولا يقع فيما يقع فيه الكثيرين من الشعراء العرب، وهو التقليد لا الابتكار والتجديد فى الشعر، فعلى كل واحد منهم أن يكون نفسه، ولا يكون عجولا على تجربته، فالمبدع الحقيقى يظل يذاكر ويتعلم حتى آخر نفس فى حياته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق