الروائي اليوناني فاسيليس ألكساكس: أكتب كي لا أموت...
حوار: فريدريك روسيل...
ترجمة المبدع لطفي السيد منصور
في رواية "الطفل اليوناني"، يدافع الكاتب اليوناني فاسيليس ألكساكس عن فكرة أدبية معينة، دون إدعاء، ودون أي تأثيرات بلاغية. ينحاز ألكساكس إلي تجميل اليومي بالخيالي، وتغرس شخصياته وصوره في الأذهان وتملأ القلوب. إنه روائي لا يتغاضي عن التلاعب بالنفوس التي أبدعها آخرون، فرواية "الطفل اليوناني" ترصع، علي نحو فكاهي، أسطورة حديقة لوكسمبورج بشبح أعرج، الغليون في جيبه، وليس بعيدا عن ريشليو، وبودلير وآخريين، وعلي مقربة من الخلود.
كيف ولدت فكرة "الطفل اليوناني"؟
من حديقة لوكسمبورج أم شخصية من جان فالجان؟
في نهاية كل كتاب من كتبي تنفتح فترة من القلق. أحتاج أن أجد فكرة الكتاب التالي، وهذه المرحلة قد تمتد ثلاثة، أربعة، أو خمسة شهور. كما لو كنت عاطلًا. بالنسبة لبعض الكتب، الفكرة تأتي بغتة وعلي نحو غامض. فعلي سبيل المثال، استيقظت ذات صباح بفكرة قصة رجل يأتي إلي باريس ويتعلم إحدي اللغات الإفريقية بلا سبب. لقد كنت مذهولا، فعلاقتي الوحيدة بإفريقيا طرازان. الجملة الأولي التي لاحت في ذهني بهذه اللغة هي:" مات أبي"، مات قبل بضعة شهور. إنها طريقة ملتوية للحديث عنه وأقل إيلاماً في لغة لا يعرفها لا أنا ولا هو.
وفكرة هذا الكتاب؟
- تمنيت منذ فترة طويلة أن أكتب عن أبطال طفولتي، دون أن أعرف كيف. فرحيل أبوي وأخي والحادثة الخطيرة التي ألمت بي في أكس أون بروفنس، ربما جعلت العودة لهؤلاء الأبطال ضرورية، فهم يمثلون عائلتي الثانية. فعندما يخشي الإنسان علي حياته، علي الأرجح يود استدعاء طفولته. ولقد ساهمت فيها حديقة لوكسمبورج بطبيعة الحال. لقد أودعتني الصدفة بفندق مجاور لها. بينما أسير في الحديقة علي عكازيّ، فجأة تذكرت جان فالجان. الكتاب كان موجودا. وعلمت علي الخصوص أن ريشيليو كان يسكن هناك، بينما كان أتوس يعيش في شارع فيرو، قبالته. ثم مسرح عرائس الماريونيت بكل شخصياته. لقد شعرت بالترحاب، منحني ذلك حرية هائلة كتخيل الهجوم علي مكتبة باريسية من بعض الهنود الساخطين من الطريقة التي يتحدث بها الكتاب عنهم.
هل تملكك الخوف فعلا؟
- ينتابني خوف دائم من الموت قبل إنهاء أي كتاب من كتبي. في الحقيقة، أكتب كي لا أموت. أعتقد أن الموت يحب الأدب إلي حد ما، لذلك لن يقاطعني أثناء الكتابة. إذن لا يجب أن أتوقف، لذلك أتعجل في أن أجد الفكرة التالية لأني بين الكتابين معرض لكل الأخطار.
لديك بالفعل فكرة؟
-أفكر في لحظة صمت الملعب بسبب وفاة لاعب كرة قدم نتيجة أزمة قلبية في لندن. أهذه فكرة رائعة؟ لست متأكدا. أنا مقتنع أن في كل كتاب جملة تعلن عن الكتاب القادم. لكن ما هي.
من هنا حيث تنطلق؟
- بكل تأكيد. في رواية "الكلمة الأولي"(2010) هناك نظرية توضح لماذا شرع البشر في الكلام، أقول لأنهم كانوا في حاجة إلي الكذب. الراوي عندي كاذب، ويقول ذلك من البداية .
كاذب وليس راوي سيرة ذاتية؟
- علي الإطلاق.
أليس لديك ولدان؟
-كل الناس لديهم ولدان. الغريب أن بعض الناس الذين لا يعرفون مطلقا حياتي مقتنعون أنها سيرة ذاتية. ماذا يغير هذا. المهم الخيال، وإلا لن يكون هناك أدب.
ألست لطيفاً مع أحبائك، كما مع عمتك؟
- هذه العمة ليست موجودة، فيما قال بعض إنني لم أجر عملية قط، وقال البعض الآخر إنه اعتقد أنني قد بترت ساقي.
وهل أجريت عملية أم لا؟
- هل يجب أن أجيب علي هذا السؤال؟
إذا كنت تريد؟
- أستطيع أن أطلعك علي الجرح.
أتبحر بين الواقع المزيف والخيال الحقيقي؟
- الخيال يحتل المكان كاملا. حتي عندما أستدعي أحداثا معاشة، الخيال ما يجعلها مثيرة للاهتمام. إنه الخيال الذي جعل هذا السيد ذا العكازين يستفيد من سكونه حتي يري الأشياء جيدا. السكون أيضا مغامرة. الشوارع التي أختلسها منذ سنوات رأيتها للمرة الأولي عندما توقفت عن المشي بشكل عادي. التفاصيل الصغيرة أصبحت قصصا.
أتجري دراسة استقصائية؟
- كانت كتبي الأولي أكثر رتابة، شيئا فشيئا اكتشفت أنه يلزمني فكرتان، وليس فكرة واحدة. إنها طريقتي في رؤية الأشياء منذ رواية "اللغة الأم"، فمع الاستقصاء حول حرف الأبسلون الديلفي هناك موضوع موت الأم. ومن خلال تعانق هذين الموضوعين تولد الرواية. يجب أن تتعاون الفكرتان لتتقدما. أنا غير قادر علي أن أقوم بالتريكو بإبرة واحدة، يلزمني منها اثنتان. وأحب أن يكون البحث حول موضوع مثيرا لاهتمامي.
هنا المقصود حديقة لوكسمبورج؟
- رأيت كل الناس. رئيس جهاز الأمن، رئيس البُسْتانيين، كبير المهندسين المعماريين، صديقا متخصصا في السراديب، أمين مكتبة سابقا لمجلس الأعيان، وحوالي عشرين شخصا مختلفين. وبالنسبة لعرائس الماريونيت، ذهبت أيضاً إلي ليون حيث قابلت سليل أول لاعبي الماريونيت لوران مورجيه، وزرت المتحف. كما طلبت بعض الأبحاث حول الأفلام: فنزهة كوزيت وجان فالجان صورت في لوكسمبورج. علمت أن والد بودلير كان أمين مكتبة هنا وأن الشاعر كان يلاحق صغار العجائز حيث حياتهم كانت تثير اهتمامه. كما علمت أن لينين وقع في غرام إحدي بائعات الكراسي. عثرت علي المراجع الأدبية ولا سيما كلمات سارتر، الكتاب الذي أثر في عظيم الأثر.
ألأنه مثلك، يحكي طفولته عبر الكتب؟
- هناك صلة قرابة، إنه واحد من أولئك المثقفين القادرين علي إنتاج اثنتين أو ثلاث روايات، لكنهم ليسوا روائيين ولم يعودوا أطفالاً.
هذه العاطفة تجاه أبطال الماضي هؤلاء تنبع من أمك التي كانت تقرأ عليك بعض الكلاسيكيات الفرنسية؟
- لها دين عندي مرتبط بالخيال. علمتني أن أتخيل بجعلي ألاحظ بقع الرطوبة الموجودة علي جدران منزلنا في سانتورن. كانت تطلب مني أن ألاحظ إحدي البقع وأحكي عنها قصة. لم تكن تقرأ فقط، بل كانت تدفعني لأتحدث. أقرأ الكثير من الأعمال الكلاسيكية لأنها تغير أفكاري، تمد الشخص الذي يكتب بنصائح فائقة الروعة، تستدعيهم للنظام.
وكنت ناقداً أدبياً لمدة خمسة عشر عاما؟
- كانت المرة الأولي عندما وافقت الصارمة جاكلين بياتيه علي أن تعطيني ميعادا. كان لدي الجرأة أن أقول إنني لا أحب الرواية الجديدة التي ساهمت في انطلاقها، ولابد أنها تساءلت عما ينوي أن يفعله هذا اليوناني في النقد الأدبي. في النهاية أعطتني مقالا ثقيلا، جبال الليل لـ روجيه فريسون روش، وهي تقول لي:" أعد عشرين سطرا ولاحظ أنه صديق المدير( بو ڤ-ميري،)" أما انطلاقتي الحقيقية الأولي عندما ذهبت لأجري مقابلة مع كلود جاليمار حول حرب الجيوب. لكن في الحقيقة، دائما الأدب ما يثير اهتمامي. وفي لحظة حدثت نفسي: عليّ أن أختار، سوف أتوقف عن الصحافة. رواية "تحكم الهوية" كانت قد نشرت بالضبط بعد تخبط.
من أين ينبع وفاؤك لـ جان مارك روبير؟
- دائما جان مارك موجود. إنه همزة الوصل بين أول وآخر كتاب. عملنا دائما معا، إنه ليس مجرد ناشر أول رواية لي "السندوتش" لكنها أيضا كتابه الأول كناشر. لم نترك بعض منذ ذلك الحين، من دار چوليار إلي دارسوي إلي فايار ثم عند ستوك. كنا قد تعارفنا عام 1974 . لابد أنه كان في عامه التاسع عشر وأنا في عامي الثامن والعشرين. دار جوليار أعطتني ميعادا في مقهي دو كلوني، في جانب من جادة سان جيرمان. عندما رأيت جان مارك قادما، قلت أن الناشر سخر مني وأسلمني لابنه. لكن لا.
كيف تري الوضع اليوناني؟
- في حياتي لم أقرأ أبدا مثل هذه المقالات التي لا أفهم منها شيئا. فالأزمة اليونانية تحتاج لفلاسفة أكثر ما تحتاج لرجال اقتصاد. سيكون أمرا رائعا لو أن اليونان أخذت مبادرة لعقد جمعية عامة، وأن تدعو فلاسفة من كل أوروبا. أريد من الناس التي تتحدث عن الأزمة عندما تذهب إلي اليونان أن يكون لديها رغبة في الاغتسال، وأن يأخذوا وقتا لإيقاف حساباتهم. لدي انطباع أن صيغة الحياة المقترحة من أوروبا، حتي عندما تكون أمورنا المالية سليمة، ليست مبهجة. المشكلة الحقيقية هنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق