2014/05/13

من عوائق الوعى بالتراث والوعى بالآخر الثقافى بقلم/ محمد على عزب





من عوائق الوعى بالتراث والوعى بالآخر الثقافى
بقلم/ محمد على عزب



من نافلة القول الاٍقرار بأن وعينا بالتراث العربى وموقفنا من الآخر الثقافى / الغرب يلعب دورا رئيسا فى اٍدراكنا لذاتنا المعاصرة الفردية والجمعية شعراء وأدباء وقرّاء ونقّاد ومن وجهة نظرى أن من أهم العوائق التى تقف حائلا أمام وعينا بالتراث ووعينا بالآخر الثقافى وأمام اٍدراكنا لذاتنا المعاصرة تتمثّل فى النقاط التالية : ـ

أولا ـ الوعى المشوب بالاٍنتقائية لتراثنا الأدبى وترديد المقولات الجاهزة عن فترة من فترات ذلك التراث عبر عصوره المختلفة المقسّمة زمنيا اٍلى " أدب جاهلى ,أدب صدر الاٍسلام، والأدب الأموى، والأدب العباسى، والأدب الأندلسى، وأدب عصر الاٍنحطاط وأدب حديث وأدب معاصر " ويتمثل ذلك فى :ـ

1ـ اٍختزال العصر الجاهلى فى شعراء المعلّقات والاٍشارة اٍلى الشعراء الصعاليك على استحياء فى بحث هنا أو مقال هناك، رغم أهمية تجربة الشعراء الصعاليك الذين لا ينتمون اٍلى قبائل عريقة يبالغون بشكل مصطنع فى التغنّى بأمجادها، وعبّر شعراء الصعاليك فى شعرهم عن مكابداتهم الذاتية وتجاربهم الحياتية اليومية وكان لديهم خيال وتصوير شعرى خاص بهم .

2ـ التجزئة والتعامل بالقطعة فى تناول ودراسة حركة التجديد الكبرى فى الخروج على عمود الشعر العربى فى القرن الثالث الهجرى فى العراق والأندلس وتمخّضت هذه الحركة عن مولد الفنون السبعة " سجع القريض، الموشح، الزجل، المواليا، الدوبيت ،الكان وكان، الحماق، القوما" ومن هذه الفنون مايكتب بالفصحى فقط "سجع القريض والموشح الأندلسى"، ومنها ما يكتب بالعامية فقط " الزجل الأندلسى، والقوما العراقى، والحماق الأندلسى" ومنها ما يكتب بالعامية والفصحى " المواليا العراقى، والدوبيت الذى نقله العراقيون عن الفرس ".

3ـ اتهام العصر المملوكى والعثمانى بأنه عصر الاٍنحطاط وترسيخ هذه المقولة دون العودة اٍلى المنتج الشعرى لهذا العصر والذى تميّز باستخدام المفردات اللغوية البسيطة البعيدة عن التعقيد واٍضافة غرض جديد للشعر العربى وهو التحامق والتجديد فى الأخيلة والصور الشعرية التى تتجلّى فيها ملامح البيئة المصرية والعربية فى العصور الوسطى، وانتشار المقطّعات الشعرية وأغلبها مكون من بيتين قائمين على التورية والطرفة الأدبية والحديث عن اليومى والذاتى .

ثانيا ـ الموقف المتطرف من الغرب سواءا بالرفض التام أو الذوبان التام فى الثقافة الغربية

الحداثة فى أزهى تجلياتها تمثل وعيا روحيا فكريا جماليا بالذات وبروح العصر، وفى بيان أوهام الحداثة "1979 ـ 1992م ذكر أدونيس أن مماثلة الغرب لا تمت للحداثة بأى صلة وكذلك مماثلة التراث، ففى الحالة الأولى لا يكون لدى المبدع وعىّ بذاته الفردية أو ذاته الجمعية وفى الحالة الثانية لا يكون لدى المبدع وعىّ بروح عصره وبالتالى ستصبح ذاته المبدعة جزءا التراث وتنقطع صلتها بالحاضر .

ثالثا ـ أمّا عن التلفيق فحدّث ولا حرج ومن أمثلة ذلك البحث عن جذور لقصيدة النثر فى تراثنا العربى ، بالرغم من أن أوزان الشعر كانت شرطا أساسيا لا يصبح القصيدة بدونها قصيدة، وكذلك البحث عن جذور للقصة القصيرة والرواية فى تراثنا الأدبى، دون التفرقة بين السرد كطريقة للحكى والذى يعتبر نشاطا لصيقا بالذهن الاٍنسانى فكل الأمم لديها تراث سردى حكائى، ولكن القصة القصيرة والرواية تختلفان عن ذلك فى اأنهما قائمتان على بنية نصّية تسمى بنية السرد " راوى، منظور، صيغة ، زمن، مكان، وصف، حوار، شخصيات ..الخ" وهذه البنية تمثل التجلّى الكتابى / النصى للمادة الحكائية الخام ، وهى البنية هى أهم ما يميز القصة القصيرة والرواية عن أنماط السرد الحكائى التراثى، وما العيب الذى يراه هؤلاء فى نأخذ عن الغرب أشكالا أدبية نبدع فيها ونضفى عليها بصمتنا الخاصة، فالثقافة التى تنتجها أمة معينة هى منجز حضارى من حق كل الأمم أن تتواصل معه دون أن تذوب فيه، فالبلاغة العربية القديمة استفادت من منجز البلاغة الاٍغريقية، وثقافة عصر النهضة الأوربية استفادت من منجز الثقافة العربية فى العصور الوسطى.

رابعا :ـ الخلط بين الاٍبداع الشعرى بالعامية واستخدام العامية فى الحوار الروائى وبين المناداة بتحويل العامية اٍلى لغة مستقلة عن الفصحى . وينتج على هذا الخلط اٍهمال تراثنا من الفنون الشعرية غير المعربة "العامية" الذى أبدع فيها أسلافنا المشارقة والمغاربة منذ مايزيد عن 1200سنة وهذه الفنون جنبا اٍلى جنب الشعر والنثر الفصيح، لم يلغ أحدهم الآخر أو حتى ينادى باٍلغائه ، ففى العصور الوسطى كان أهل بغداد يرددون أزجال ابن قزمان القرطبى المدوّنة بالعامية الأندلسية ، وكان أهل الشام يستمتعون بأزجال ومواويل ورباعيات ابن سودون المصرى "810 ـ 868هجرية" الذى سافر فى أواخر حياته اٍلى دمشق وأقام فيها حلقة يلقى بها أزجاله، وكان أهل مصر يستمتعون بأزجال صفّى الدين الحلّى العراقى، ولم يقل جمال الدين بن نباتة الشاعر المصرى الذى توفى سنة 868هجرية أخاف على العربية من ابن سودون كما قال شوقى أخاف على العربية من بيرم.

والاٍبداع الشعرى بالعامية يختلف كليا وجزئيا عن الدعوات التى نادت بتحويل العامية اٍلى لغة مستقلة عن الفصحى، مثل فكرة اللغة المصرية التى نادى بها لويس عوض فى صدر شبابه و بيومى قنديل و فكرة اللغة اللبنانية التى نادى بها أنيس فريحة و سعيد عقل و يوسف الخال و قد فشلت هذه الفكرة لأن العاميات العربية فى جوهرها لغة واحدة، وهذه الدعوة لم تشغل بال كبار مبدعى ومؤرخى الشعر العامى فابن قزمان القرطبى أمير الزجل الأندلسى الذى توفى سنة 555هجرية قد كتب مقدمة دايوانه "ذكر الأغراض فى اٍصابة الأعراض" بالعربية الفصحى وقد وضع فى هذه المقدمة أسس وفواعد فن الزجل، وكذلك صفّى الدين الحلى دوّن أراءه وملاحظاته النقدية حول فنون الشعر العامى فى عصره باللغة العربية الفصحى فى كتابه " العاطل الحالى و المرخّص الغالى "، والذى نسج على منواله ونقل عنه نقلا فى مواضع كثيرة تقى الدين ابن حجة الحموى فى كتابه "بلوغ الأمل فى فن الزجل" ، وفى العصر الحديث لم نسمع مثل هذه الدعوة من كبار زجالى وشعراء العامية المصرية بيرم وفؤاد حداد وصلاح جاهين فقد كانت القضية الوحيدة للشاعر العامى هو البحث عن الاٍبداع الشعرى فى العامية ذاتها، واٍن لكل قطر عربى عاميته الخاصة فاٍن هذه العاميات فى جوهرها كما أشرت سابقا لغة واحدة تتفق فى غالبية مفرداتها واشتقاقتها اللغوية وتختلف فى نطق ومخارج بعض الألفاظ والحروف كما تضم رواسب من لغات أجنبية، ويمكن التغلب على ذلك باستخدام التشكيل بعلامات الرفع والنصب والجر والسكون واٍيراد معانى المفردات الغارقة فى المحلية، وهذه ثلاثة نماذج من اٍبداعات أسلافنا الزجالين وشعراء العامية العرب ينتمون اٍلى أمكنة وأزمنة مختلفة يمكن قرائتها دون صعوبة تمنعنا من التواصل معها. 1 ـ صرت عازب وكان لعمرى صواب لِس نِزَوّج حتى يشيب الغراب أنا تايب يا لِس نقول بزواج لا جلو ولا عروسه بتاج لا رياسه غير اللعب بالزجاج والمبيت بره والطعام والشراب *لِسْ ـ لماذا *جََلو ـ مكان اٍقامة العرس فى ليلة الزفاف ـ ينطقها المغاربة جلو والمشارقة جَلا " من زجل لأبى بكر قزمان ـ أمير الزجل الأندلسى فى القرن السادس الهجرى " 2 ـ الصمت حكمة ومنّه تفترق لِحِْكايم ولو ما نطق ولد اليمامه ما كان يجيه وليد الحنش هايم " من رباعيات الشاعر العامى المغربى الشيخ عبد الرحمن المجدوب ـ القرن العاشر الهجرى" 3ـ ما يرقد الليل مغبون ولا يقرب النار دافى ولا يطعمكْ شهد مكنونْ اٍلاّ الصديق الموافى "من مربعات الشاعر العامى المصرى شهاب الدين أحمد بن محمد بن عروس ـ القرن الحادى عشر الهجرى"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق