2014/05/11

"بقلم الشاعر والناقد : محمد على عزب.. " دلائلية اللون والفعل فى ديوان " طائر برتقالى " للشاعرة منال محمد على "



"بقلم الشاعر والناقد : محمد على عزب " دلائلية اللون والفعل فى ديوان " طائر برتقالى " للشاعرة منال محمد على "



(1)

"طائر برتقالى" هو عنوان الديوان الصادر للشاعرة منال محمد على عن دار هيباتيا للنشر 2014م ومن متابعة تردد المفردتين المكونيتين للعنوان فى المتن الشعرى نجد أن هاتين المفردتين قد وردتا متلازمتين مرة واحدة فى عنوان قصيدة تحمل عنوان الديوان، ثم وردت بعد ذلك كل مفردة منفصلة عن الأخرى فمفردة الطائر وردت خمس مرات فى صيغة الجمع "طير، طيور" وترددت لوازم وصفات وأفعال الطائر خمسة عشرة مرّة، ولهذا التمايز الكمى بين الطائر ولوازمة دلالة كيفية وهى أن الشاعرة أرادت أن تضفى على البشر والكائنات والنباتات والاشياء الموجودة فى هذا الديوان صفات هذا الطائر الذى يمثل الحلم /الحبيب / الاٍبن / الشعر عبر الاٍستعارات والأخيلة، لكى يكون حاضرا بما يدل عليه من صفات أضفتها الشاعرة على الكائنات والأشياء فى الحالات التى يغيب فيها عن المشهد الشعرى ومن أمثلة ذلك تقول فى قصيدة "أجنحة معلّقة " ص 45:ـ

اللحظاتُ المُتْعَبَةُ تضعُ أجنحةََ لا تبينُ

تُمسكُ برؤوسنا المكتظة

أجسادنا تتوارى

بعد ما قَصَفْنا عليها من ورق الجنَّةِ

أمّا مفردة برتقالى فقد وردت منفصلة ثلاثة مرات والتلازم بينها وبين مفردة طائر مبنى على الاٍختيار حيث تقول الشاعرة فى قصيدة "طائر برتقالى":ـ

الروايةُ تطلق أول زفير لها

ينسكب الحبر حزنا فوق الأوراق

مغمضة عن مشاهد العشق

فتغادر الأوراق قبل الغروب

وتختار لونا برتقاليا

يصلح لكائن ضاحكِ

مثلك

دلائلية اللون البرتقالى الذى اختاره الطائر/الكائن الضاحك لنفسه فى هذا المشهد ترتبط بالغروب وفى المرة الثانية التى يرد فيها ذكر اللون البرتقالى فى قصيدة "حركات مؤرقة" ص 23 تقول الشاعرة:ـ

الشمعات تذرف ما تشاء

تصنع سيلا بجوارها يشبه القصيدة

واللون البرتقالى يُطلُّ من لا مكانِِِ

يبعث الحياة

ويطلق صفارته كنوبة صباحية

اللون البرتقالى فى هذا المشهد يبعث الحياة ويطلق صفارته كنوبة صباحية تشير اٍلى البدايات/الصباحات وفى المرة الثالثة التى يرد فيها ذكر اللون البرتقالى يأتى بصيغة الجمع فى قصيدة "أخطاء سير" ص 31 حيث تقول الشاعرة:ـ

ماذا لوأغلقنا كل الطرق السريعة للنسيان

والممرات المظلمة

ماذا لو ارتكبنا كل أخطاء السير

وأرّقنا الليل فى سريره المظلم

ثم تستدعى الألوان البرتقالية لتضئ الممرات المظلمة وتؤرق الليل حيث تقول فى ص 32:ـ

الألوان البرتقالية تشتعل بلا شمس

والذاكرة تحلم بالرحيل فى صندوق أسود

الشمعات لا تنطفئ

وبناء على ما سبق فاٍن دلائلية اللون البرتقالى وفقا للسياقات النصية التى ورد فيها تشير اٍلى النور/الضوء المعبر فى تجلياته عن البدايات / الصباحيات، والنهايات/الغروب، وبين النهايات والبدايات يتجلى اللون البرتقالى كحلم تستدعيه الشاعرة، فاللون البرتقالى هو سيد الألوان التى وردت فى الديوان فاللون الأزرق الذى ورد مرة مع البرتقالى ومرة مستقلاّ يشير اٍلى فعل الكتابة / التعبير، واللون الأسود الذى ورد ذكره فى هذه القصيدة مع البرتقالى يشير اٍلى الليل والطرقات المظلمة ويشير اٍلى لون الصندوق الذى يوضع فى الطائرة ويسجل أحاديث القائد والفريق المساعد له وفى حالة تحطّم الطائرة يمدّنا هذا الصندوق بمعلومات دقيقة عن الحادث، وقد ورد اللون الأسود مرتين بدون ذكر اللون البرتقالى معه يشير اٍلى قسوة الواقع والحداد حيث تقول الشاعرة فى قصيدة "بطعم الشيكولاتة" ص 38:ـ

والحقيبة تتعلّق بذراعى

كطفلِِ

المعطف أسود

والأسفلت

والواقع

وفى قصيدة "بين موج وشاطئ" ص 39 تقول الشاعرة:ـ

الملابسُ التى ألقتْ بعتمها

يؤرّقها أن الحياةَ ثمرةَ محرّمة

معلّقة بأعلى شجرةِِِِ

يمنعها طينُُ

وشوكُُُ

والخزانةُ المكتظةُ بالسوادِ

تنصت لضوء متسلل

رغم أن قسوة العتمة اٍلاّ أن خزانة ملابس الشاعرة المكتظة بالسواد تسترق السمع وتنصت لأى ضوء متسلل ذلك الضوء الذى يمثله اللون البرتقالى فى هذا الديوان رغم عدم ذكره صراحة فى هذه القصيدة، اٍلاّ أن اللون البرتقالى والضوء/النور أصبحا وجهين لعملة واحدة فى حالة تشكل دائم بين البدايات والنهايات والميلاد الجديد فى سيرورة مشتبكة مع سيرورة الحياة /الحلم ولذلك اختار الطائر هذا اللون ليصبح الطائر البرتقالى طائر الحياة/الحلم /الحب.

(2)

تتردد بنية الفعل بشكل ملحوظ فى المعجم الشعرى لديوان "طائر برتقالى" فالديوان يتكون من 470 سطرا شعريا تتردد فيها بنية الفعل 320 مرة، وبمتابعة هذا التردد الكمى من ناحية الكيف والدلالة يتضح الدور البارز للفعل فى التشخيص والتجسيد الاٍستعارى وبناء شبكة المتخييل الشعرى وتحريك عناصر المشهد ودفعها نحو التنامى الدرامى لتشكيل صورة تمثيلية للعالم الشعرى للديوان عالم المرأة الشاعرة التى تريد أن تسجِّل تاريخها الوجدانى شعرا وكتابة حيث تتردد بكثرة فى المعجم الشعرى الديوان المفردات الدالة على فعل الكتابة/ الرسم / التشكيل، فمثلا تقول فى قصيدة "شاعرة" ص 59:ـ

أقفُ أمامَ المرآةِ فى الصباح

والغرفة خلفى تراقب فى صمتِِ

وأوراقى فوق السريرِ

تلاحقُ الكلماتِ التى تنتوى الاٍقتراب

والأقلام فاغرة فاها

وفى قصيدة "هواجس اٍنسانية جدا" ص 28 تقول الشاعرة:ـ

فى هواجسِِ ليليلةِِ موحشة

أبصرتُ الورداتِ مسفوحةََ

كوريد منفطر

والمروجُ متسخة بمطر ترابى

ملقاة فى أول السطرِ

فى صفحة ترتعد

تحاول الاٍختباء

والقلم ممتلئ بغضب أزرق

يرسل طعناته لواقع موحش

واٍلى جانب الدور المحورى لفعل الكتابة فى تأريخ التجربة الوجدانية للشاعرة فاٍنه يمثل أيضا سلاحا تواجه بها واقعها الموحش، وهناك فعل آخر مصاحب لفعل الكتابة لدى الشاعرة هو فعل الحكى فالشاعرة تستحضرمروى له تخاطبه وقد يكون شخصية أو كائن محدد الملامح، وقد تكتفى الشاعرة بالاٍشارة اٍليه عبر النداء وضمير المخاطب وتوجيه الأسئلة وقد يكون الروى له هو الذات كما فى قصيدة "أخطاء سير" التى تقول فيها الشاعرة ص 31:ـ

هذا الصغير الذى يرقصُ

كبوصلة حائرة اٍليكٍ

كزهرةِ عبّاد شمس

تراقب خط دفئك

وتأمل أن توقف اللحظة

حتى لا تغادر العناق

الراوى والمروى له فى هذه القصيدة هو الذات/المرأة الشاعرة وقد جاء الآخر فى صورة المروى عنه / الصغير فالآخر فى قصائد الديوان اٍمّا أن يحضر بهذه الصورة أو أن فى صورة المروى كما فى قصيدة "شوارب قديمة" ص 65 حيث تقول الشاعرة:ـ

أيها الرجل

الذى يسكن شواربه القديمة

لن أضع أجنحة لك

ولن أمنحك وردة الصباح

وأنت غافل

هنا تتمرد الشاعرة وترفض سيطرة الرجل الذى يسكن شواربه القديمة وتبحث لذَاتها ولحلمها عن أفق مغاير لأفق ذلك الرجل حيث تقول فى نهاية هذه القصيدة:ـ

وأغنيتى

سأهديها للفضاء الطلق

الذى يتسّعُ لعينىّ كل حلم

ودائما تحتفى الشاعرة بأشيائها الخاصة والصغيرة مثل كوب الشاى، فنجان القهوة، خزانة الملابس، الحقيبة وتجعل من هذه الأشياء شريكا للذات فى تجربتها الوجدانية كما فى قصيدة "شاى" ص47حيث تقول:ـ

الملعقة تصنع دوائرَ وهميةََ

لحوار يغازل الصمت

محدودة بجدار مدوّر

ترفع بوابات حديدية

وجدران لم أكن أعرفها من قبل

الماءُ يتغيّر

يُغْمِضُ كلّما مر الوقت

والكوب ينصت

يرسم شجره

وبعض الأعشاشِ

يُسكِنُها هناك

هنا مثال واضح لحضور شئ صغير خاص من أشياء الشاعرة ومشاركته لها فى تجربة الوجدانية حيث انعكست رؤاها الذاتية وهواجسها الباطنة على حركة الملعقة فى كوب الشاى وهى ترسم وتصف ما يدور بداخل أعماق الذات الشاعرة عبر التجسيد والتشخيص، وتتحوّل هذه الأشياء اٍلى ذاكرة أخرى اٍضافية للشاعرة تحتفظ فيها بتاريخها الواجدانى الذى تدخّره للقادم كما فى قصيدة "حروف مكسورة" تقول الشاعرة:ـ

ربما سأخبرك يوما

أنى ادخرتُ كل ما رويته

وكل ماكان من صور

فى علبة مظلمة

أحكمت اٍغلاقها

ووضعتُ فوقها أقفالا كثيرة

ثم نثرت فوقها التراب

لكى تبدو كالحكايات القديمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق