2014/05/11

قراءة في ديوان " خوف البرد " للشاعر حمدي عمارة... بقلم الشاعر: محمود الأزهري




قراءة في ديوان " خوف البرد " للشاعر حمدي عمارة
محمود الأزهري



" خوف البرد " ديوان شعر بالعامية المصرية للشاعر القنائي " حمدي مهدي عمارة " والديوان منشور على نفقة المؤلف ولا تُوجد أية بيانات خاصة بدار النشر التي قامتْ بطباعة ونشر الكتاب وإنْ كان الكتاب يحمل رقم إيداع بدار الكتب المصرية عام 2008م ويضم الكتاب ستا وعشرين قصيدة ، في مائة صفحة من القطع المتوسط ويحمل الديوان غلافا بسيطا دالا لا يخلو مِن جمال ظاهر ورغم أنّ الديوان باللهجة العامية المصرية إلا أن الإهداء مكتوبٌ بالفصحى : " كما رضع قلبي من نهر عطائك , سيظل أبدا نهر دموع قلبي يفيض بذكرك ولذكرك حتى نلتقي .... يا أمي ... "
ويبدو أنّ الشاعر أكثر إخلاصا للغة الفصحى التي يكتب بها الشعر – أيضا – وعلى كل فما أجمل أنْ نهدي قصائدنا للأم نهر العطاء ومحيطه الآمن . والصفة الأكثر بروزا في ديوان حمدي عمارة هي جاهلية المفردة العامية , فكثير من مفردات قصائد عمارة وتراكيبه " جاهلية " - إذا صحتْ التسمية – تحتاج إلي قاموس يشرحها وذلك بسبب التصاقها الشديد ببيئتها وندرة استعمالها وعدم دورانها على الألسنة وعدم شيوعها لدي عامة المصريين , ووحشيتها وربما غلظة بعض المفردات وعدم اعتياد القاموس الشعري المصري على استعمال مثل هذه المفردات الغليظة الموحشة والوحشية والنادرة , وسيظل هذا الأمر عائقا أمام وصول قصيدة حمدي مهدي عمارة للقارئ المصري والعربي ما دام حمدي في زمرة الشعراء الواعدين ، أما إذا تحوّلَ حمدي مهدي عمارة إلي نجم من نجوم الشعر فإنّ قاموسَه الصعب , ومفرداته المُشْكِلة سوف تتحول إلي ميزة وخصوصية له , وساعتها يتكلم النقاد عن اللغة الخاصة بحمدي مهدي عمارة وشدة التصاق مفرداته بالبيئية وعمق التحامها بقري مصر الجنوبية وشدة تعبيرها عن غلظة الحياة في صحراء الجنوب رغم قرب النيل وشدة دلالتها على الأصول العربية الصحراوية لسكان مصر العليا ، وإليكم هذه الطائفة من المفردات التي استعمالها حمدي في ديوانه
: " وسقت _- غلض – قدامها – بمعني أقدامها – بضات – بمعني بيض – تصرلك – نقت – سطلو العفش – معبكة – أبو قفاصين – عفص – باكور – دحكتين – ديما – مخول البقرة – وش أمشير – الزعابيب – السفط والكن – عزاز – النواجيع – الكوم – يا مكفي عالشويه ابرمهات – الوبيل – زيق – كياح – تتلكلك – شلان الصوف – ندفس – قرا فيصو – لحم الليف – عمنول – العواييل – زريعة – عب خوفين – سحن – حديث ملخمج – الرتا – يبحشك – مزلوقة – مجضوع – اتلخمج – خلقاتك – مساهيك – زرب – السرجة السبيعة – جدوعه – ملقحو – اللفليف – زربنا الدايخ – زند مطلاعي – المقاطيف – ولا عدش يوعالي – زعبل – كفينك الزرازير – عفصة المخاليق – يكرع – دربينو البدر – وسرجلي – الخ " ولا يرجع الإبهام في بعض التراكيب والسطور الشعرية إلي غرابة المفردة في ذاتها بل يمكن أن يكون الإبهام سببه طريقة كتابة المفردة وتغاير واختلاف الطريقة التي يكتب بها الشاعر حمدي مهدي عمارة مفرداته عن الطريقة الشائعة والمعروفة لجمهور الشعر قراء أو كتابا وربما يُضاف إلي ذلك طريقة تركيب الصورة الشعرية لدي حمدي مهدي وأسلوبه في تجاور المفردات وهذا الأسلوب غير المعتاد يمكن أنْ يكون علامة مميزة لشعرية حمدي مهدي عمارة كما يمكن النظر إليه باعتباره سدا أو عائقا يحول بين المرء والقصيدة والشاعر حمدي مهدي عمارة مثل كل أبناء الجنوب مهموم بمرارة العيش ويكابد مثلنا جميعا فق الأرض وجدب المجتمع في توزيع مشاعر المحبة بالقسطاس المستقيم مما يجعلنا نفر – أو نحلم بالفرار – باتجاه الشمال تشبثا بأمل أو طمعا في سراب أو رجاءا لتحقيق حلم وبطبيعة الحال فإن الشاعر لا يجد من الشمال – والقاهرة هي الممثل الرسمي الفظ له – إلا كآبة وإحباطا وزيادة في الهوس والخيبة الأمر الذي يضطرنا للرجوع مرة ثانية باتجاه الجنوب الموطن الأصلي للحزن والشعر , تحضر الأم بقوة في الديوان ومعها الأرض وما يصاحب كل ذلك من عذابات الوطن وجراحات الحرية , وتظهر البيئة الجنوبية الصحراوية فظة غليظة متجهمة لا ترحم العائشين فيها ، والحب في الديوان يبدو قاسيا ومحرما على الشاعر وملهما له ومشعلا لمزيد من المواجع والألام والأحزان والرغبة في الفرار والهجرة ، لذا ليس غريبا أن يبدأ الديوان بقصيدة " قطر أربعة وتلت " الذي يلخص عذاب الإنسان
الإنسان الصعيدي في سفره للقاهرة بحثا عن لقمة عيش أو جريا وراء حبيبة أو هجرة باتجاه حلم القصيدة ولتحقيقه وقطار الرابعة والثلث عصرا يعرفه أبناء قنا وهو قطار عادي تتجلي فيه كل صور إهانة الكرامة الإنسانية هذا القطار الذي يقف خاضعا لجميع القطارات المكيفة الآتية من بعده والذي يضج بجميع صنوف الباعة الجائلين والبلطجية ويصل غالبا القاهرة في السابعة أو الثامنة صباحا في رحلة مقدارها خمس عشرة ساعة من الألم ويصور الشاعر بعض هذه المشاهد في قصيدته :
" أبوقفة وأبو كرتونه وأبو شماعة فات
جلاب ابر بوابير كتب نعناع مسكر ولعات
والقطر مغرم كل متر يولي على قولة سكات
لجل أما يغرف بياعين
متقلشي دى الليلة الكبيرة
وانته واقف منظره في وسط مولد "
والشاعر كان يحلم أن تتجسد القاهرة وتأتي لاستقباله لحظة نزوله من القطار ولكنها لم تفعلْ
" يا هل تري مين اللي صد القاهرة
ومجتشي علشان تلتقيك من بدري على باب الحديد "
ولا يمكننا قطعا إلا التعاطف مع حالة إنكار الحلم ومشاهدة صور شعرية تحاكي صورا واقعية نراها بل عايشناها كثيرا , وقبل أنْ يسافر الشاعر يصور حالة الأم وحرصها على توفير الراحة لابنها الشاعر رغم أنه سيغترب عنها
" أمك قدامها يومها حفيت مشورة ..
أمك تصرلك رغيف مع دقة وشوية بيضات . "
ولا يخفي الشاعر حبه لأمه وارتباطه بها منذ الطفولة يقول حمدي في قصيدة طول الليل ص7 :
" باخاف من المطره
علشان بترسمني دايما
جنب أمي ماسك في طرحتها "
وينشد حمدي قصائده متذكرا ومذكّرا ما تحمله الأم من هموم يقول الشاعر في قصيدة الزفة مش منظر " ص29
: يا أم الولآد لولاد
يا درب يا ولآد
هم العيال جلاد "
وتسير الموسيقي في معظم قصائد الديوان بخطي رتيبة ثقيلة حزينة موجعة وكأنها لا تريد السير ، وهذا مناسب تماما لحالة الحزن المسيطرة على الديوان
" أول قدم عدت حدود البين
وبين علم خطاها على الحجر
وسع لكل الناس طريق
انته العدو ولا الصديق ؟
عناوين دروب الغلبانين "
قصيدة خريطة طريق ص12
ومع ذلك فهناك قصائد جنحت باتجاه الموسيقي الراقصة الأمر الذي أضفي مسحة من الأمل على قصائد ديوان حزين قاتم بسبب تصويره لواقع كئيب يقول الشاعر حمدي مهدي عمارة
" ارسمني موطي وباتوضي
والمية في كف الليل فضه
وبريقك دايما مطاوعني
يغرف من قلبي عشان طيب
قرب ألوانك طرطشني
أو جوه في كدرك همشني
وشوشني وسيب قلبك يسمع " ص35 قصيدة كلام متنقي
ومن ملامح ديوان خوف البرد للشاعر احتفاء الشاعر حمدي مهدي عمارة بالصداقة والصحبة فقد كتب عددا من النصوص الشعرية الجميلة لأصدقاته وعنهم ، ومنهم المبدعون : عبد الصبور بدر – حمادة القاضي – محسن النوبي – عبد الحميد أحمد على ... تحية للشاعر ولقصائده المصورة للواقع الجنوبي البائس ونرجو منه أن يتحلى بمزيد من الأمل .

**************

محمود الأزهري


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق